ان مدينة لقاوة اليوم ليست هي المدينة التي نشأنا فيها وتربينا وتلقينا مراحل تعليمنا الأساسي فيها، ولقاوة اليوم ليست هي تلك البلدة الوادعة الهادئة التي تشربنا فيها كل القيم السمحاء من سماحة أهلها بمختلف مكوناتهم، وتشبعنا فيها بكل الموروث الثقافي والاجتماعي لكافة مكوناتها الاثنية (كمدة ومسيرية زرق بمختلف بطونهم وداجو وتلشي، وبرقو وفلاتة وجعليين ودناقلة وشوايقة الخ)، وشبعنا من خيراتها الوفيرة، فلقاوة اليوم ليست هي تلك المدينة التي عرفناها والفناها وأحببناها، ولم نكن لنفارقها أو نغادرها لولا ظروف طارئة، فغادرناها بذواتنا مكرهين لا أبطال، ورغم هذا البعد الفيزيائي الا انها حاضرة بقوة في كل تفاصيل حياتنا، نتسقط أخبارها ونسأل ونطمئن على أحوال أهلها، كانت لقاوة التي نعرفها وأحبها معنا حتى الذين لم يعيشوا فيها، كانت لقاوة التي غنى لها مطرب الشباب الراحل محمود عبدالعزيز (الحوت) (لقاوة حلاوة)، كانت هي الحلاوة وهي الجمال والتعايش والتساكن والتدامج، والهدؤ والسكينة والطمأنينة، كانت هي المردوم والنقارة والكنقاوالسركلا (الكرنق) الخ الخ من رقصات والعاب شعبية، فتجد من جماعة الكرنق من يجيد المردوم بشكل مدهش قد يقوق ويبز أهله، وكذا من أهل المردوم من يتقن رقصة السركلا بأفضل من أهلها..
أما اليوم لم تعد لقاوة هي لقاوة الحلاوة، فقد تغير حالها واصبحت لقاوة المرة كالحنظل، يتقاتل أهلها داخل ربوعها وبين احيائها، وتدمر المنازل وتحرق وتنهب الممتلكات ويسقط القتلى والجرحى، هذه والله لقاوة أخرى بشعة لا نعرفها ولا نتمنى ان ننتسب لها حيث انها بحالها هذا مجلبة للعار وتستحق التبرؤ منها، صحيح أنه في السابق قد تحدث بعض الخلافات والنزاعات، ويمكن أن تتقاطع مصالح ويمكن أن تحدث مظالم، ولكن كل هذا لا يبرر وقوع تلك الحروب الدامية مهما كان حجم الاختلاف والمظالم، فمثلها وربما أسوأ وأخطر منها يمكن أن يقع بين قبائل أخرى وفي مناطق أخرى من السودان، ولكنهم لا يخوضون من أجلها الحروب المميتة وانما يستعينون على حلها بالصبر والحكمة والحوار، ولا يدعونها تتدحرج وتتطور حتى تصل هذا الحد المفزع الذي بلغ حتى قلب المدينة وقلب حالها وأوضاعها رأسا على عقب، فصارت أشبه بمدينة أشباح خالية من السكان، اذ نزح أهلها وغادروها الى حيث الأمان والسلامة.. وأنا والله الذي أدعي أنني ابن هذه المدينة وابن سرحتها الذي غنى بها، لا يهمني هنا ابدا الخوض في سبب هذا النزاع أيا كان، بقدر ما يهمني وأهمني واورثني الغم هو أن يروح ضحيته شخص واحد دعك من هذا العدد الذي سفكت دماءه، والمنازل التي دمرت والممتلكات التي نهبت، حتى خلت المدينة من ساكنيها واصبحت منطقة طاردة وغير قابلة للاقامة فيها.. واتساءل هنا باستنكار شديد ألا يوجد بين هؤلاء المتقاتلين أهل حكمة ورشاد يسترشد بهم، أم تراهم جميعا مثل آل غزية
اذا غوت قبيلتهم غووا كلهم، ألا يستحون ويخجلون من حالهم هذا، وماهي هذه الاختلافات الخطيرة جدا والعصية على أي حل التي تبيح لهم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، هذا والله حال مؤسف وتعيس وبئيس لا مبرر له على الاطلاق، ونرجو من الأهل كافة بلقاوة وبمختلف مكوناتهم ان يرتقوا فوق عصبية القبيلة النتنة ويجعلوا قبيلتهم المشتركة لقاوة ويعملوا على اعادتها سيرتها الأولى… الجريدة