الذي لا خلاف حوله، أن الحكم القضائي ينتج عن حصيلة فهم قاضٍ معين للنص القانوني الذي يحكم الواقعة محل النظر أمامه، ومن هنا كان تعدد درجات التقاضي، فالحكم يعكس رأي القاضي مهما إرتقى مقامه وعلت درجته ولا يمثل الحقيقة المطلقة.
فقد تقضي محكمة الإستئناف وهي ثلاثية بإلغاء حكم قاضٍ فرد بدرجة دنيا بالمحكمة الإبتدائية، ثم تأتي المحكمة العليا لتنقض حكم محكمة الإستئناف وتؤيد قضاء أول درجة، والدائرة الواحدة بالمحكمة العليا قد يختلف الرأي بين قضاتها، ويصدر القرار بالاغلبية مع وجود رأي مخالف.
في ضوء ما ورد، ينبغي أن يكون النظر إلى اللغز في صدور جميع الأحكام بإلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام الإنقاذ بإعتماد رؤية (رأي) دائرة محددة بالمحكمة العليا يرأسها ذات القاضٍي الذي يصدر أحكاماً منفرداً في قضايا أخرى من ذات النوع وتنتهي بذات النتيجة.
لقد كان الواجب من باب الشفافية وترسيخ الثقة في القضاء، أن يتم تنويع دوائر المحكمة العليا وإختيار قضاة آخرين للنظر في هذه القضايا لا تركها رهينة لعقيدة واحدة، وبالمحكمة العليا مئات القضاة الذين بينهم من يعتقد في صحة الرأي الآخر الذي يرى بطلان أحكام هذه الدائرة، وهو رأي يقوم على سند قانوني صلب ومتين وسليم، وهو عدم جواز نظر المحكمة العليا أو غيرها من المحاكم الطعون ضد قرارات لجنة إزالة التمكين بوصفها قرارات إدارية، ذلك أن تلك القرارات صدرت بموجب قانون خاص ساري المفعول وضّح طرق الطعن فيها وإستئنافها.
لكننا نعود ونقول بأن هذه الدائرة ولا غيرها كان يمكنها إيجاد ثغرة تمكنها من إبطال قرارات لجنة إزالة التمكين الخاصة بإسترداد الأموال، لو أن النائب العام كان قد إستجاب لصراخنا له بإستخدام فحص إقرارات الذمة التي يستوجب قانون الثراء الحرام تقديمها من جميع أصحاب المناصب القيادية في الدولة والقضاة وأعضاء النيابة والضباط النظاميين … إلخ، وبموجب ذلك القانون تعتبر أي أموال أكتسبت خلال فترة تولي الوظيفة ثراء حراماً عقوبته السجن مع إسترداد تلك الأموال، ويقع عبء إثبات مشروعية إكتساب الأموال على شاغل الوظيفة، كما جعل القانون مجرد عدم تقديم إقرار الذمة جريمة معاقب عليها بالسجن.
هكذا ما كنا في حاجة إلى لجنة إزالة التمكين، ولا حاجة إلى إجراء محاكمات مُطوّلة فيما يتصل بجرائم الفساد المالي لرموز الإنقاذ من المسؤولين، إذ لا يستغرق فحص جميع إقرارات الذمة سوى بضعة أيام او أسابيع، ولا تزال الفرصة سانحة إذا ما عادت حكومة الثورة لأصحابها.