ليس بالضرورة ان تقيم الثورة نظاماً حكماً ثورياً، المهم ان تصنع تغييراً في أذهان الناس وسلوكهم، ان تحول اتجاه التفكير من نقطة الظلام الى الضوء، وتستبدل القناعات التالفة بقناعات جديدة تفيد المجتمع في معركة البناء والتطور.
الثورات الشهيرة على مستوى العالم لم تقم حكم ثوري حقق كل احلام الشعب، وانما حققت اختراقات مهمة في بنية الوعي، هذا الاختراق هو الذي صنع مستقبل الامم وجعل التحول من الأسوأ إلى الأفضل ممكناً وسلساً.
الثورة الفرنسية لم تقم دولة عدالة، بل انتهت بحكم الامبراطور الاستعماري نابليون، ولكنها غرست قيماً جديدة في الجماهير، هذه القيم تناسلت تدريجيا وتطورت حتى حولت كل اوربا إلى فجر جديد ملهم.
معظم الرسل عليهم السلام، جاؤوا بثورات وعي فكري، غرسوا الفكر بدون أن يطالبوا بالحكم والدولة، واستطاعت هذه الافكار المنيرة ان تنتشر بين الناس، نعم العناية الإلهية لها دور في دعم افكار الرسالات، والعناية الإلهية كذلك لها دور في دعم كل القيم السمحاء كالسلام والعدل والحرية متى ما رفعتها الشعوب وحرستها.
مهم الا يتوقع الجميع أن التحول إلى الدولة المدنية سيتم بين ليلة وضحاها، بل هذا الأمر يحتاج إلى عمل مستمر ودؤوب على غرس الأفكار وزراعتها في الجماهير، ويمكن الجزم الآن بعد سنين من ثورة ديسمبر وتبدل احوالها بين الحكم والمعارضة بأن قيم الحقوق والعدالة والحكم المدني قد انغرست بشكل جيد في الاجيال الجديدة.
بذرة لجان المقاومة اذا تم استخدامها بطريقة سليمة سوف تحافظ على هذا البناء التدريجي للأمة الذي بدأت في غرسه ثورة ديسمبر وصولا إلى بناء الدولة التي حلم بها الشهداء ويحلم بها جميع الوطنيين.
بينما الاستخدام الخاطيء للجان المقاومة سيضر بحلم الثورة ويخصم من رصيد الوعي ويقود البلاد باجمعها إلى الدرك الاسفل من الشمولية والدكتاتورية.
الطريقة الصحيحة هي الاستفادة من لجان المقاومة كقوى ضغط جماهيري متجردة، غير مهتمة بالحكم ولا الغنائم وانما تهتم بأن تصل البلاد عبر الوقت إلى افضل الصيغ للحكم، بينما الطريقة الخاطئة هي محاولة الكثيرين من النشطاء تحويل لجان المقاومة لازرع سياسية تقوم مقام الاحزاب السياسية وتطالب بالحكم والسلطة، فهذه الطريقة ستقود إلى تشرزم اللجان وتفككها، فالسلطة تفرق بين ابناء البيت الواحد، فما بالك بجماهير متفرقة ولجان متعددة لا يربطها رابط ولا اواصر.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com