• سبحان الله العظيم.. لقد (تميزت) (الحركة الإسلاموية) طوال فترة وجودِها في (أرض السودان) بعيبين عجيبين وغريبين..والأعجب أنها أستطاعت، كما لو (بالسحر الأسود) أن تحقن، وبنجاح باهر وعجيب، هذين العيبين في أدمغة كل (كوزة وكوز)، عالماً كان أو جاهلاً، كبيراً أو صغيراً، طويلاً أو قصيراً، فأصبح (كل كوز تقريباً) عبارة عن حركة إسلاموية متجسدة، تمشي على قدمين!! ..كيف استطاعت الحركة أن تفعل هذا العجب العُجاب؟! الله وحده أعلم !!
• وهذان العيبان العجيبان ظلا يتلبسان الحركة، وكيزانها، في كل حال وفي كل مقام..حتى والحركة ساقطة ومهينة، وقد تلاشى مُلكُها وجبروتُها، فهي لم تزل، ولم يزل كل كيزانِها على ذات العيوب المحقونة في أدمغتهم !!
أولُ العيبين: المكابرة والمداورة والمراوغة وإزدراء الرأي الآخر: فالحركة ليس في فهمِها مطلقاً أن هناك رأياً صحيحاً بخلاف ما ترى هي وتعتقد، وكما قلتُ فإننا لا نعلم ماذا إستخدمت هذه الحركة بالضبط لتحقن رؤوس أتباعها بهذه (الخِلال) واحداً واحداً، بحيث لن تجد، حتى دهماء (وزلنطحية) الحركة إلا ويتحلَّون بذات صفات المكابرة والمداورة وإحتقار الرأي الآخر، مهما علا شأنُ قائله !!
• الحقيقة أن الحركة، مع أنها (تحقِن) أتباعها حقناً بهذه الصفات، ولكن مع (طول مكوثها) في الحكم، وإحتكارها له طوال ثلاثين سنة بلا منازع، رسخت هذه (الصفات) لدى الحركة، ولدى أتباعِها، واتخذت صفةَ (الثبات والديمومة) التي لا تتزخزح!! وذلك أنه أثناء فترة حكمِها (الطويلة) لم يكن هناك ما يمنعها قط من تنفيذ أيِّ رأيٍ رأته أبداً، إذ كل ما رأت أنها تريدُه، صحيحاً كان أو غير صحيح، نفّذته بصرامة لا تُضاهى، على الشعب السوداني، حتى ولو لم يوافقها عليه العالم كله!!..
• هذا الإستفراد المطلق بالحكم إكتسبت منه الحركة (دكتاتوريةً مطلقة ومتسلطة) جعلتها ترى أنها على حق دائماً، وعلى قوة في كل حال، حتى وهي خارج الحكم الآن، لم تزَل ترى نفس الشئ، فأصبحت لا تقبل أيَّ رأيٍ آخر مخالفٍ لها مهما كان، وهكذا أيضاً يرى كيزانُها !!
• للخواجات دراساتٌ كثيرةٌ جداً مفادُها أن (طول المكوث) في أي وظيفة، أياً كانت، يكسِبُ الشخص (الدكتاتورية الوظيفية)..لهذا، وبنصوص القوانين واللوائح -عندهم- لا يمكث الرئيسُ -في أمريكا مثلاً- أكثر من فترتين رئاسيتين (ولو كسر رقبتو)، ولو طار ببلده وأوصلها القمر !!
وحتى في المؤسسات الكبيرة لا يبقى مديرُ المؤسسة عادةً لأكثر من فترتين إلا في حالاتٍ نادرةٍ جداً، وبإستثناءات محدودة !!
• (طولُ المُكث) يورثُ الجمود الفكري والإنجازي..ويجمِّدُ التفكير الإبداعي في كل مؤسسة، ويُنهي التطور، ويولِّدُ الركود، والأهم من ذلك فهو يورث (الدكتاتورية) الفكرية والوظيفية، وطبعاً (السياسية)..
• العيب الثاني في فكر الحركة الإسلاموية، والكيزان، أنهم يعتقدون (بلا تزحزح) أن تغيير المجتمعات لا يتم إلا بقوة السلطان..ولقد كان الترابي يردد دائماً، وبمحبةٍ شديدة هذا القول المنسوب إلى الخليفة الراشد عثمان بن عفان (إن الله ليزعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) أي أن سبحانه ينفِّذ إرادته، ويخيفُ ويزجر بقوة السلطان ما لا يزجر بزواجر القرآن ..وهذا القولُ من المأثورات المفضّلة لدى كلِّ قادةِ الحركة الإسلاموية..بل أصبح ذلك من صميم فكرِ الحركة، ومن إيمانياتِها التي لا تتزعزع !!
• يعني أصبح (هوسُ السيطرة على الحكم) بأيِّ شكلٍ كان من صميمِ ثوابت تفكير الحركة الإسلاموية، ومن غاياتها وأهدافها الرئيسة، وهي غايةٌ تبرِّر لها كل وسيلةٍ للوصول إليها، بما في ذلك السحق والدهس والإغتصاب، والتقتيل، وكل شئ.. كونها الأداة الوحيدة لإحداث (التغيير الفاضل) في المجتمع (غيرِ الفاضل) برأيِها !!!
ونلاحظ هنا أنَّ هذا النهج هو على النقيض من فكرِ (الحركة السلفية الوهابية) مثلاً..فهؤلاء -على ما فيهم- ولكن ليس همهم الأول الوصول للحكم بأيّ شكل كالحركة الإسلاموية..فهم يؤمنون بالعمل وسط المجتمعات لإحداثِ التغيير، لا بالسيطرِة على الحكومات !!
• ثم مع ذلك، فالحركة الإسلاموية ترى أن أقصر الطرق للوصول إلى الحكم هو الجيش (عدييل كدة).. وهذه طبعاً مصيبةٌ كبري، وكارثةٌ فكرية باهظة الثمن.. ما جعل الحركة لا تؤمن بالديموقراطية أصلاً، ولا تؤمن بتداول السلطة مطلقاً !!
• بكل أسف، في بلادِنا، وصلت الحركة للحكم فعلاً بإنقلاب (الجيش) العسكري، ثم هي مكثت فيه كل مدة مكوثها بقوة سلاح (الجيش) الإنقلابي كذلك..مما جعل هذه الفكرة قناعةً راسخةً تماماً في عقلية الحركة الإسلاموية..وفي عقول كل كيزانها، بلا تزحزح..وهذا يفسِّر لنا -بالضبط- ما فعلت الحركة بالجيش بعد إنقلابِها على الحُكم الديموقراطي القائم، وما ترجو أن تفعل بالجيش في مقبلِ الأيام كذلك، لا سمح الله !!!
• برأيي المتواضع أن (الحركة الإسلاموية مهما تلوّنت وتشكّلت، وتمثَّلت دور البعَّاتي) فليكن معلوماً أنها لا تؤمن بالديموقراطية ولا تؤمن بتداول السلطة ولا تحترم أياً من خصومها !! وبهذا السلوك فالحركة قد نجحت (وحدها) نجاحاً منقطع النظير في تنمية رصيدها من المقت والكراهية وسط الشعب السوداني بحيثُ لن يستطيع (أشطر مقاول) أن ينجز لها هذا القدر الوافي من الكُره، ولو رصدت له كل أموال السُّحت التي إلتهمتها من عرَقِ الشعب السوداني!!
كما أنها لن تحقق نجاحاً -بخاصة وسط شباب الثورة- الذين ظلت الحركة تقتلهم بلا رحمة، ولن تنجح حتى (تحقن) من جديد في أدمغة كيزانها أنها لم تكن على حقٍ مطلق، وأن هناك آخرين غيرها ربما يمكن أن يكونوا على حق كذلك !!