(كنت ضمن وفد من خريجي مدرسة عطبرة الثانوية من الخرطوم سافر لعطبرة لمتابعة مشروعهم لإعادة تأهيل المدرسة بمشاركة سلطات الولاية. وقد برني الأستاذ كمال حامد بدعوة الانضمام للوفد كواحد من قدامى الخريجين. وكانت مناسبة للتعرف على الأستاذ شوقي عبد العزيز لاعب المدرسة والأمل والهلال بالتتابع. وقضينا طرفاً من رحلة العودة يحكي شوقي لنا خبايا كرة القدم والأنطونات أو “الفقرا” ومدى اعتقاد إداريو الأندية في يدهم اللاحقة. وأمتعنا شوقي. وهذا مقال عن فن الفقرا-الأنطونات في لعبة الرياضة الأمريكية:
حضرت مؤتمر الجمعية الأمريكية للدراسات الأفريقية بمدينة بوسطن قبل سنوات. وفي طريقي بالسيارة من المطار الي فندق شيراتون، حيث انعقد المؤتمر، رأيت لوحة معلقة على طرف الشارع مكتوب عليها: “أزيلوا اللعنة.” وتداول من كان بالسيارة دلالة اللوحة. وعلمت أن الاشارة فيها الي لعنة يعتقد الناس أنها حلت بفريق البيسيبول المحبوب بالمدينة، وهو الرد سوكس، منذ 1920.
فيقال إنه في ذلك العام “باع” سيد التيم وأحداً من أميز لاعبيه، بامبينو، الي فريق اليانكي النيويوركي لسوء تفاهم بينهما. وقد أبليى بامبينو بلاءً حسناً مع اليانكي. وحلت لعنة الاساءة اليه بالردسوكس. فلم يدخل منافسات دوري البيسبول الخاتمة منذ ذلك التاريخ. ويروي آخرون أن بامبينو الريفي المنشأ قد بهرته نيويورك، فأدمن الشرب، ومات صغيراً، وحلت لعنة محنته بالفريق. وقد كان الفريق قريباً جداً من دخول منافسات الدوري الأخيرة ذلك العام وفشل في آخر الدقائق بفعل اللعنة.
وظلت المساعي لطرد اللعنة قائمة على قدم وساق ودائماً. ففي مرة اشتري أحدهم العقد الأصلي لبيع اللاعب لليانكي لتحرقه إدارة الردسوكس وتزيل اللعنة. وقد حاول أحد جمهور الفريق أمراً غاية في الطرافة. فقد صعد الي قمة جبل إفرست خصيصاً لطرد اللعنة. وحمل معه في مهمته كابات (قبعات) الردسوكس واليانكي. والتقي بكاهن بوذي قبل وصوله القمة واستشاره في الأمر. فطلب منه الكاهن ان يضع الكابات علي عتبة مقدسة في معبده، ثم يصعد بكاب الردسوكس الي القمة، ويدفنها هناك. ثم يعود الي المعبد ليحرق كاب اليانكي. وقد فعل الرجل ذلك. وزاد بأن دفن العلم الأمريكي مع كاب الردسوكس في القمة تبركاً.
لم تكن هذه المرة الأولي التي اسمع فيها عن “انطوانات” الرياضة الأمريكية. فقبل مجيئي للمؤتمر مباشرة كان الناس في إقليمنا بغرب أمريكا الأوسط يتداولون أمر لعنة أخري وهي لعنة فريق الكَبْز للبيسيبول في مدينة شيكاغو. وقد أثار الحديث عن هذه اللعنة بعض انتصارات حققها التيم وظن الناس أنه بصدد الخروج من عنق اللعنة.
وأصل الحكاية أنه في 1945 دخل سام سيانس، وهو مشجع قريب الهجرة من اليونان، الي أستاد الكبز ومعه عنزته المفضلة. واشتكي الجمهور من عفونة العنز. فطلبت إدارة الفريق منه مغادرة المكان. ولما شاهده الناس خارجاً ضحكوا عليه. فقيل إن المهاجر قال في لكنته الإغريقية: “ان شاء الله تاني ما تشوفوا نصر لي يوم القيامة”. وقد كان.
وقيل إن سيانس كان يريد بدخول العنز أن “يعمل دعاية” لباره المسمى “العنز”. وما يزال هذا البار مفتوحاً في شيكاغو باسمه وهو بيد الأسرة. وقد شاهدت البار ورواده في برنامج أخباري عن لعنة العنز بثه التلفزيون هنا. ولم تتوقف مساعي إدارة الفريق ولا المشجعين في كسر طوق اللعنة عنه. فقد رتب أحدهم قداساً تحضره أدارة الفريق وروحانيون وأسرة اليوناني لإزالة اللعنة. وقد تعاقدت المدينة مع طارد أرواح شريرة من نيويورك ليأتي لفك عقدة العنز.
وكل هذا “الأنطنة” الأمريكية كتاب مفتوح على الانترنت. فهناك موقع مثلاً تخصص في استقطاب حوار بين مشجعي الردسوكس حول صحة الاعتقاد في اللعنة. وتجد المتحاورين منقسمين بين العقلانيين والروحانيين، بين مكذب ومصدق، بين مؤمن وزنديق. وهنك سوق قائمة حول التي شيرتات التي تدعو الي إزالة اللعنة. كما أن هناك مؤلفات عن اللعنة وتاريخها.
دخلت بهو مؤتمر الدراسات الأفريقية وأنا متأكد ان هناك بين الأمريكان من سيقول في منعطف ما في المناقشات “إن الأفارقة خلافاً عنا يؤمنون بالخرافة والسحر”. يا للعنة!
IbrahimA@missouri.edu