أن الصراع بين إبني السيد محمد عثمان الميرغني على قيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي، كان في البدء يشكل طموحا شخصيا بعد مازاقا الإثنان حلاوة السلطة، باعتبار إنهما كانا مساعدين لرئيس الجمهورية في فترتين مختلفتين، و دون أعباء تذكر لكليهما، و كان لكل واحد منهما رؤيته في إدارة الصراع من أجل أن ينفرد بالسلطة. يقول جعفر الميرغني أنه تم تعينه من قبل والده لكي يكون أحد نواب رئيس الحزب. يقول الحسن تم تعينه من قبل رئيس الحزب ليكون مسؤولا للتنظيم. الفكرة السائدة عند كليهما غياب المؤسسية تماما. و مادام الإثنان يوافقان على التعين، تصبح رؤيتيهما في إدارة الحزب…! السير بذات الطريقة القديمة في الإدارة، حيث تصبح المؤسسية صورية، و شخص واحد هو صاحب القرار في الحزب، و بالتالي تصبح قيادات الحزب جميعها هي أدوات عملها تنفيذ أراء هذا الشخص. و الغريب في الأمر، رغم أن الكل يتحدث عن الثورة و منهجها الجديد في عملية التحول الديمقراطي، لكن تصبح العقلية التقليدية هي التي تتحكم في إدارة المؤسسات الحزبية التي تعتبر القواعد الأساسية للديمقراطية.
السؤال الذي يجب أن يجيب عليه كليهما: هل الحسن و جعفر أبناء الميرغني يعلمان حقيقة الصراع الدائر عن عملية التحول الديمقراطي تاريخيا و حاليا، و أن انقلاب الجبهة الإسلامية ضد النظام الديمقراطي كان المقصود منه هو قطع الطريق لاتفاق الميرغني قرنق؟ أن إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية كان المقصود منه هو قطع الطريق لوضع المسار الديمقراطي في طريقه الصحيح. إذاً معركة الجبهة لم تكون ضد سلطة الصادق المهدي أو ضد حزب الأمة. كانت ضد أطروحات الحزب الاتحادي الديمقراطي، الساعية من أجل حل مشكلة جنوب السودان، و الوصول لاتفاق مع الحركة الشعبية لوقف الحرب، و وضع كل إمكانيات البلاد من أجل التنمية. و الحزب الاتحادي عندما ذهب و وقع على اتفاقية الميرغني قرن، و التي كانت قد خدمت من قبل القطبين الاتحادين محمد توفيق أحمد و سيد أحمد الحسين، كان الحزب يريد أن يكون هناك توافقا وطنيا تتفق عليه جميع الأطراف. و ليس كان انكسارا لقرنق كما كانت تتحدث الجبهة الإسلامية. و عندما غزت الحركة الشعبية للمرة الأولي الكرمك و غسيان و خور يابوس و غيرها من مناطق النيل الأزرق، ذهبت قيادة الاتحادي الديمقراطي بقيادة الميرغني للعراق، و طلبت من الرئيس العراقي صدام حسين في ذالك الوقت تزويد الجيش السوداني براجمات صواريخ، و بالفعل قدم العراق هذه الراجمات للقوات المسلحة التي غيرت المعادلة العسكرية لصالح الجيش، و هزمت الحركة الشعبية، و انسحبت من مناطق النيل الأزرق. و بعدها بدأت تحركات الحزب الاتحادي لإقناع الحركة الشعبية بالحوار من أجل التوافق. و بعدها بدأت الجبهة الإسلامية تثور ضد الاتحادي و نفذت انقلابها الذي قطع طريق تطور العملية الديمقراطية. و يجب أن تعي القيادة الاتحادية أن معركتها من أجل الديمقراطية هي معركة متواصلة و مبدئية حتى إذا تغير الاعبين في المسرح السياسي و لا تحيد عن ذلك.
أن معركة جعفر و الحسن ليست معركة داخل أسرة، من يكون له الأحقية في أن يرث والده في العمل السياسي، و يمارس ذات الكيفية التي كان يسير عليها في إدارة الحزب، بل معركة الحداثة ضد الإرث التقليدي، و أيضا معركة بين عقليتين. الأولي يمثلها جعفر الذي يريد أن يرث والده، و يحتفظ بذات القوى المحافظة التي لا ترى في السياسة غير أداء فروض الطاعة و الولاء، بالتصفيق و التهليل لرئيس الحزب، و أتباعه في الصواب و عدمه، و أضعاف لدور المؤسسية. هذه العقلية ليست على دراية أن الحزب يمثل الطبقة الوسطى في المجتمع، و هذه الطبقة جوهر اعتقادها التمرد على أي عقلية محافظة، و على الشخصيات التي فقدت أهلية التفكير الديمقراطي. و العقلية الثانية هي التي تريد الحداثة و التطوير و التمرد على الإرث القديم و يمثلها الحسن، الذي قبل تعين والده في التنظيم، و أول قرار اتخذه إبعاد كل القيادات التقليدية التي كان قد ساهمت في ضعف الحزب، و كان قد سماهم” الدواعش” كانت خطوة سوف تليها خطوات أخرى، تفتح الطريق لقيادات جديدة لها رؤى جديدة تهدف لتطوير و تحديث الحزب، و نقله لمرحلة سيادة المؤسسية في العمل السياسي، لكن هذه الخطوة الأولى قد جعلت أغلبية القيادات التقليدية التي تم إبعادها تثور ضد الحسن، و سعت لكي تبعده عن إدارة التنظيم، و هي التي ضغطت الميرغني لكي يعين جعفر نائبا له لكي يتصدى لمشروع الحسن الإصلاحي داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي. و هذه القيادات دائما تحب العمل في العتمة، يذيها الضوء، لكنه يبين ملامحها للناس، عقليات لا تملك غير الدسائس و المكائد، هي القيادات التي جعلت الحزب يفقد فاعليته في التجمع الوطني الديمقراطي، و هي نفسها التي كان هملها المناصب و لم تستطيع أن تضيف للحزب في مسيرتها أي أضافة إجابية تذكر لها.
و كانت رؤية الحسن التي بدأ مشورها بها أن يزيل الشقة بين الاتحاديين و كتلة الختمية، الشقة التي أثرت في الحزب منذ خسمينيات القرن الماضي، و أدت إلي انشقاق في الحزب الوطني الاتحادي و تكوين حزب الشعب الديمقراطي، و التي سماها الشريف زين العابدين الهندي الصقة التي لم تستطيع تماسك التيارين، و ظل البعض يتعامل بها حتى الآن. و هي العقلية التي اقعدت الحزب حتى لا يؤدي دوره في العملية السياسية بالصورة الايجابية الداعم لعملية التحول الديمقراطي، حيث ظل الحزب الاتحادي منذ حكم الإنقاذ حتى الآن على هامش الفعل السياسي، كان الاتحاديون بمجموعاتهم المختلفة هم الذين يصنعوا الأحداث و يتجاوب معها الأخرون، الأن أصبح دور الاتحاديين كمبارس يضافوا إلي المجموعات المختلفة.
يجب على الاتحاديين أن يشكلوا الكتلة التى تمثل إشعاع الاستنارة و تقدم المبادرات الوطنية التي يستجيب الأخرون لها. أن عدم تحريك هذه الكتلة بالصورة المطلوبة هو الذي يعقد الأزمة السودانية. و هم قادرين على تحريك أكبر كتلة أجتماعية في المدن و الريف لمناصرة قضية الديمقراطية، و متى كانت الإدارات الأهلية و الطرق الصوفية تقف في مواجهة مسار عملية التحول الديمقراطي، باعتبار أن هذه الكتل الاجتماعية تؤدي دورها ديمقراطيا وسط اتباعها، و لذلك كانت تمثل قوى حية داعمة للاتحادي في مساره التاريخي. فالحزب الاتحادي يستطيع أن يحدث أختراقا في الأزمة إذا استطاع تجميع هذه القوى حوله و السير بها في طريق دعم عملية التحول الديمقراطي.
أن الاتحاديون رغم مسعاهم من أجل بناء المؤسسة، لكنهم يحتاجون لكرزمة قائدة تضطلع بدور أحياء المؤسسة، و تفعيل القيادات التي تقوم بدور الأستنارة داخل الحزب و خارجه، و أيضا القيادات ذات التأثير في الكتل الاجتماعية، لذلك دعم الحسن مسألة مطلوبة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد، باعتباره يملك قاعدة معرفية مطلوبة في هذه الفترة، و واعي للتحولات في المجتمع. كما يستطيع أن يتفاعل بصورة إيجابية مع فئات المثقفين و الأجيال الجديدة، و يستطيع أن يدخل معها في حوارات فكرية تعاضد عملية التحول الديمقراطي، و تؤسس لثقافة جديدة. و نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com