لا اثق في ما صدر عن السلطة الانقلابية من أحاديث وقرارات ضد الحركة الاسلامية في الفترة الاخيرة، ويرادوني شك عميق بأنها مجرد مسرحية مثل مسرحية الترابي البشير (اذهب الى القصر رئيسا وسأذهب الى السجن حبيسا) ومسرحية استلام ابنعوف للسلطة في 11 ابريل، 2019 وتنحيه بعد يوم لصالح البرهان، وترتسم الآن في ذهني مسرحية جديدة يقوم بها البرهان لصالح المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية بهجومه الاخير عليهما، والتي ينطبق عليها المثل المصري الشائع (اسمع كلامك أصدقك، اشوف عمايلك أستعجب)، حيث تتناقض افعاله فيما يتعلق بالحركة تماما مع احاديثه!
نشرت مقالا في اليوم الثاني من استلام (ابنعوف) للسلطة محذرا الناس بانها مجرد مسرحية اخرى من مسرحيات الحركة الاسلامية ولم يصدقني أحد، قلت فيه: إذا كانت التمثيلية الأولى قد تميزت بنوع من الذكاء، وانطلت على الكثيرين، الا ان الثانية غبية غباء من حبكها، ولن تدوم سوى وقت قصير جدا على المسرح السودانى، ربما يوم أو بضعة أيام قليلة، بل ربما يهل علينا صباح الغد الذى تصدر فيه صحيفتنا وهى تحمل هذا المقال، ولا نجد التمثيلية ولا الذى حبكها واخرجها، بسبب غبائها وسذاجتها وإجماع الكل على رفضها (ولقد حدث ذلك بالفعل بتنحي ابنعوف لصالح البرهان بعد يوم واحد فقط كما تنبأت) !!
حتى الذين حبكوها لم يثقوا فيها وكانوا متأكدين من فشلها، وإلا ما ابتدروا الفصل الأول منها بتعليق الدستور وحالة الطوارئ وحظر التجوال مما يدل على انهم كانوا متأكدين من رفض الناس لها فبادروا بفرض الاجراءات القمعية خوفا من الثورة عليهم، متسائلا …هل يمكن لشخص مهما كانت درجة غبائه أن يفرض على المواطنين نفس الإجراءات القمعية التى ثاروا ضدها ويقول لهم انا اقتلعت النظام السابق لتحقيق مطالبكم ثم ينتظر منهم أن يصدقوه ويهللوا له إلا إذا كانوا أكثر غباءا منه!!
لقد اعلن الشعب منذ الوهلة الأولى رفضه الواضح لهذا المسخ الانقلابى، الذى لا أجرؤ حتى أن اسميه انقلابا عسكريا، وانما عملية تسليم وتسلم واضحة ولا تحتاج لتوضيح، أفضل منها مليون مرة تمثيلية الترابي الذي على الأقل دخل السجن ولو بشكل تمثيلى، أما البشير فلم يقل لنا (ابنعوف) انه في السجن، هل سمعتم بانقلاب عسكرى يزعم انه (اقتلع النظام) ورئيس هذا النظام المقتلع لم يدخل السجن، على الأقل حتى لحظة كتابة هذا المقال (امسية الخميس 11 ابريل، 2019 ). إنه ليس انقلابا وإنما هو مسخ انقلابى قام به حزب المؤتمر الوطنى ضحى فيه بالبشير فقط، لينقذ نفسه من السقوط معه، وهى تمثيلية غبية لن تعيش طويلا، فالشعب الذى ثار على النظام وأسقط البشير، قادر على إسقاط ابنعوف وغيره!
لقد كان المؤتمر الوطنى يخطط للتخلص من البشير حتى لا يسقط معه، وكان ذلك واضحا من التغيير الذى حدث في تعامل النظام مع التظاهرات، فمن قمة العنف وإستخدام القوة المفرطة مع المتظاهرين وعبارات التهديد والتخويف الى نوع من الليونة بل الاستجداء والاستعطاف، حيث صارت أجهزة النظام وحزبه تتحدث عن شرعية مطالب المتظاهرين، حتى ان الشرطة التى لم نسمع لها من قبل رأيا في المسائل السياسية نشرت بيانا على موقعها الرسمى، قالت فيه انها اصدرت توجيها لأفرادها بعدم التعرض للمتظاهرين (وتحدثت عن إنتقال سلمى للسلطة)، ونفى المتحدث الرسمى للجيش بعد يوم واحد تصريحاته التى أدلى بها لبعض اجهزة الاعلام وتحدث فيها عن الاتفاق مع الاجهزة الامنية على فض الاعتصام، وقال انه كان يقصد ابتعاد المعتصمين عن بوابة مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، بالاضافة الى تصريحات لقائد قوات الدعم السريع بأن التعامل مع التظاهرات ليس من مهام قواته ..إلخ، فضلا عن إلغاء المسيرة المؤيدة للبشير التى كان من المزمع القيام بها يوم امس الخميس!!
وكل ذلك يدل على أن هنالك رأى أخذ في التبلور داخل حزب المؤتمر الوطنى بأن التغيير حادث لا محالة ولا بد من اللحاق به قبل خسارة كل شئ، وبعبارة أكثر وضوحا …التضحية بالبشير والتمسك بالأمل في إمكانية بقاء الحزب في المشهد السياسى السودانى خلال الفترة القادمة خاصة مع وجود ضغوط دولية لإزاحة البشير عن السلطة بسبب ملاحقته من المحكمة الجنائية الدولية وعدم الرضا الدولي والإقليمي منه والغضب الشعبي الكاسح ضده!
لم يمر سوى يوم وذهب ابنعوف وجاء البرهان وبقيت الحركة الاسلامية ولو تحت السطح، ثم اتاح لها البرهان بعد انقلابه بالظهور مجدداً والتمسك من السلطة، ويمثل الآن انه انقلب عليها في مسرحية ثالثة جديدة للإبقاء عليها، وقريبا ستظهر الحقيقة ساطعة ويكتشف الجميع انها من تأليف واخراج الحركة الاسلامية مثل مسرحية الترابي، الفرق الوحيد بينهما أنها مسرحية غبية ولن ينخدع بها الا بعض الطامعين في الكراسي !