تفاجأ الناس قبل يومين بانعقاد مؤتمر صحفي لمجموعة من الضباط المتقاعدين المحسوبين على التيار الاسلاموي والنظام المخلوع ، وأعلنوا من خلال هذا المؤتمر عن تكوين قوات عسكرية اطلقوا عليها (قوات دعم الوطن)، ونصبوا العقيد السابق الصوارمي خالد سعد قائدا عاما لهذه القوات، وتعيد هذه القوات للمشهد سيرة قوات سابقة شبيهة بها،
اذ اذكر ان شرطة مباحث التموين كانت قد القت القبض بعد مرور أكثر من عامين على الثورة، على أحد الفلول يحمل بطاقة باسم (طلائع البشير) وبحوزته مبالغ نقدية كبيرة، وكانت هذه (الطلائع) تعد احدى الاذرع الأمنية للنظام المباد، الى جانب التشكيلات الأخرى من أمن شعبي وهيئة عمليات ودفاع شعبي وشرطة شعبية وأمن طلابي وكتائب ظل، بالاضافة الى ما كان يعرف بـ(نسور البشير) التي كانت تنشط في دارفور، ومن المعلوم أن النظام البائد كان قد صنع دولة موازية بكل مؤسساتها في مقابل الدولة الرسمية المعروفة، وكانت شؤون الدولة تدار بواسطة هذه الدولة الخفية الموازية، ومن هذه الشؤون بطبيعة الحال الشأن الأمني، وكان مما كشفته تلك الضبطية الشرطية أن هذه المؤسسات الأمنية الموازية ما تزال تشكل مصدر خطر على الثورة وفترة الانتقال مع حالة الهشاشة الأمنية الماثلة الان، الأمر الذي طرح سؤالا كبيرا وقتها حول مصير هذه التشكيلات الأمنية السرية التابعة للنظام المباد، وما يمكن أن تثيره من فوضى ونشر الاضطرابات، ولكن للأسف قوبلت بلامبالاة ولم يحدث أي شئ بشأنها..
يبدو الان ان هذه القوات التي أعلنتها المجموعة المعاشية المنتسبة للنظام البائد والحركة الاسلاموية، ذات صلة بتلك الاذرع الامنية التي ذكرناها اعلاه ويتشكل منها قوامها الاساسي مع العمل على تطويرها وتحديثها، وهذا ليس افتراض من جانبنا بل هو ما كشفوه بأنفسهم، حيث قالوا بوضوح ان قواتهم هذه منتشرة بكل ولايات السودان، ورفضوا ذكر أعدادها واكتفوا بوصفها بالضخمة واكدوا إنها مسلحة، وهذا ما يؤكد حديثنا بأن هذه القوات أصلا كانت موجودة ولم يتم انشائها بعد الثورة، وانما تمت عملية احياء وتنشيط لهذه الخلايا النائمة وخاصة بعد الانقلاب الذي اتاح لهم حرية الحركة في كل الاتجاهات، ولم يعمدوا لإعلانها رسميا وعلنيا الا بعد ان انقلب عليهم البرهان ووقعت المفاصلة بينهم، وجاء هذا الاعلان الرسمي لهذه القوات في اطار محاولة ابتزازية عسكرية وامنية اخرى، بعد ان فشلت محاولات فلول النظام الابتزازية السياسية والجماهيرية، ولم تكن تلك الاهداف التي اعلنوها كمبررات منشئة للقوات ورغم ما تثيره من فتن الا محاولة فطيرة لتغطية الهدف الاساسي، والسؤال المهم الذي يبرز هنا، هل كانت الاستخبارات العسكرية في غفلة عن تحركات الفلول لإحياء نشاط خلاياهم الامنية والعسكرية النائمة ليتفاجأوا بها في المؤتمر الصحفي، ويسارعوا بعد المؤتمر الصحفي لاعتقال الصوارمي، الاجابة المؤكدة هي لا كبيرة، فالمؤكد انهم تغافلوا عنها وتركوا لها الحبل على الغارب في اطار التحالف المبرم بين عسكريي الانقلاب والفلول، وعندما تم فض هذا التحالف بخطابات البرهان الاخيرة كان لابد لهم من اتخاذ موقف مغاير فتم اعتقال الصوارمي..
الجريدة