رُوزنامةُ الأسبوع
الاثنين
بالاثنين 21 نوفمبر 2022م، وفي أولى مباريات الفريق الإيراني ضدَّ الفريق الانجليزي ضمن منافسات كأس العالم بدولة قطر، امتنع اللاعبون الإيرانيُّون عن ترديد كلمات النَّشيد الوطني لبلادهم! وكشف إحسان حاج صفي، كابتن الفريق الإيراني، سبب ذلك قائلاً: على اللاعبين أن يُظهروا دعمهم لمظاهرات شعبهم عبر طول البلاد وعرضها.
عاب بعض المعلِّقين ما اعتبروه إهانة من الفريق لرمزهم الوطني. لكنني أرى أن اللاعبين رموا لاستثمار هذه المناسبة العالميَّة في لفت الأنظار إلى ما يعانيه شعبهم من تقتيل، وتعذيب، واختفاءات قسريَّة، ومحاكمات جائرة. فعل اللاعبون ذلك رغم كلِّ المخاطر التي سيتعرَّضون لها، قطعاً، عند عودتهم إلى طهران بعد المشاركة في المونديال، وتلك تضحية عظيمة وفداء كبير.
الثُّلاثاء
أعيد الطَّرْقَ، في ما يلي، على موضوعة «الكذب»، إذ يتزايد، للأسف، يوماً عن يوم، مَن يعتقدون أن «السِّياسة» حقل خصب لهذه الممارسة اللاأخلاقيَّة، وقد يخلطون، أحياناً، بينها و«الدِّيماغوغيَّة»! لكن المـرء ليحار، أكثر شئ، إزاء ساسة ومؤرِّخين يكذبون كما يشربون الماء!
«الكذب» يؤذي، على مذهب إِمانويل كانط الذي يقطع بأن الالتزام بـ «الصِّدق»، في كلِّ الحالات، واجبٌ قطعيٌّ، توقيفيٌّ، غير مشروط، إلى حدِّ إقصاء أيِّ تبرير، مِمَّا يلفِّقه البعض، طمأنة لضَّمائرهم زوراً، بما يطلقون عليه، أحياناً، «الكذب النَّافع»، وفق جاك دريدا.
لكن اللافت، بوجه خاص، هو افتقار كذب السِّياسي والمؤرِّخ لإتقان «التِّقنية»، أغلب الأحيان، ربَّما لاشتغالهما على نطاق واسع على لوقائع والآراء! فلِكَي يتسنَّى لأيٍّ منهما أن «يكذب»، لا بُدَّ أن يمتلك ذاكرة في قوَّة خزانة فولاذيَّة، وإلا فسيلفى نفسه في شِراكِ تناقضات مفضوحة بين ما يقوله اليوم، وما قد يكون قاله بالأمس! ويقول العرب في هذا: «إنْ كنت كذوباً فكـن ذكـوراً»!
العنصر الرَّئيس في هذه الممارسة هو، غالباً، «الواقعة»، بمعنى أن مَن يروى «واقعة» غير حقيقيَّة، أو يسوق روايتين «متناقضتين» عن «واقعة» واحدة، يُعتبر قد كذب، لكن ذلك ليس، دائماً، الأمر الحاسم في التَّعريف بـ «الكذب»، إذ يندرج في عداده، أيضاً، وخصوصاً بالنِّسبة للسِّياسي والمؤرِّخ، الإدلاء بـ «رأيين متناقضين»، أيضاً، حول نفس المسألة، فيروح الواحد منهما يتقافز، كما الجُّنْدَب، من «الرَّأي» لنقيضه، دون أن يطرف له جفن، أو يكون لديه من المبرِّرات سوى «النَّسيان»، وهذا أهونها، أو «الانتهازيَّة»، وهذا أغلظها!
جالت بذهني هذه الخواطر في مناسبتين مختلفتين: شاهدت، في المناسبة الأولى، شريحتَي فيديو من أيَّام النِّظام البائد، تتضمَّنان، بفارق زمني متقارب، «رأيَين» متناقضَين لقيادي «إسلاموي» مِن كبار المشاركين في تأسيس النِّظام، لكنه أُقصي عن موقعه، فانبرى، في شريحة الفيديو الأولى، يرغي ويزبد، محرِّضاً جـمعاً من شباب التَّنظيم للخروج عليه، كونه ميئوس من اصلاحه، وذلك من مقتضيات الإيمان! لكنه انقلب، في شريحة الفيديو الأخرى، يشتم المعارضين، مشيداً بالنِّظام، وبنهجه السِّياسي الذي يبدو أنه قد انصلح، فجأةً، بعد صدور قرار رئاسي أعاد الرَّجل إلى موقعه في دست الحكم!
أمَّا في المناسبة الثَّانية فقد وجدت مؤرِّخاً شموليَّ الهوى والهُويَّة يقيِّم حدثاً تاريخيَّاً سلبيَّاً بأنه إيجابيٌّ، ويردُّ على مَن انتقد تقييمه هذا بقوله: «بل لم تفهمـوا قولي، فرغم أن الحـدث سلبيٌّ، إلا أنه، فـي الواقـع، إيجابيٌّ»!
ومعلوم، كقاعدة، أن الشُّموليِّين لا يأبهون بالحقيقة الموضوعيَّة، حيث يفتقرون، بالأساس، للمقياس الموضوعي الثَّابت لهذه الحقيقة. ومن ثمَّ فهم إمَّا يقدِّمون «روايات متضاربة» عن «واقعة» ما، في الماضي أو الحاضر، أو «يدلون» بـ «رأيين» متناقضين حول مسألة واحدة! ولا تغيِّر من جوهر «الكذب» محاولات التَّذاكي التي تدعو إلى السُّخرية، وتقع، أحياناً، عن طريق التَّلاعب بـ «الوقائع» أو «الآراء»، كما في الطريقة الملتوية، مثلاً، التي تتمُّ بها إعادة «كتابة التَّاريخ»، أو في التَّحوير المضحك لـ «التَّنظير السِّـياسي»!
ومثلما «الكذب» مدموغ أخلاقيَّاً، من الزَّاوية الإسلاميَّة، فهو مدموغ، كذلك، من الزَّاوية الوضعيَّة. فالحكم الإسلامي عليه معلوم، بالطبع، كما في الآية الكريمة: «إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِـنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ» [النَّحل:105]؛ وكما في الحديث الشَّـريف: «قيل: يا رسـول الله، المؤمن يكون جباناً؟ قال: نعم، قيل: يكون بخيلاً؟ قال: نعم، قيل: يكون كذَّاباً؟ قال: لا» [رواه مالك في الموطأ]. كذلك تدمغ القيم الوضعيَّة «الكذب». فالتَّوافق في الحكمين ناشئ من التَّوافق بين «الدِّين القويم» و«الفطرة السَّليمة».
و«الكذَّاب»، في قول أرسطو، ليس، فقط، من يمتلك القدرة على «الكذب»، بل من يميل، أساساً، إلى «الكذب»! لكن اللافت، حقَّاً، كما سبق وذكرنا، هو افتقار «الكذَّاب»، لحرفيَّة ترتيب أقواله «تقنيَّاً» إلى المدى الذي يضمن فيه لقوله الثَّاني أوثق اتِّساق مع قوله الأوَّل! غير أن الافتراض الذي لا يمكن قبوله لفض الحيرة، في هذه الحالة، هو أن هذين السِّياسي والمؤرِّخ مطمئنَّان لقدرة القولين معاً على الاقناع بحقيقتيهما، رغم تناقضهما البائن! اعتماد هذا الافتراض يعني، في المقام الأوَّل، الاعتقاد بإمكانيَّة «خداع الذَّات»، وهو أمر بالغ الصُّعوبة!
خطورة «الكذب»، إذن، لا تتعلق، فحسب، بـ «الأخلاق»، دينيَّة كانت أم وضعيَّة، وإنَّما بالتَّدنِّي المريع، إلى ذلك، في مستوى «تقنيَّته»، أو ما سبق أن سخر منه أوسكار وايلد، بنعته، تحت عنوان «انحطاط الكذب»، بـ «الهبوط» المستمر في مستوى «إتقان» هذا «الفنِّ» في العصر الرَّاهن!
الأربعاء
فجعت، صباح اليوم ، 23 نوفمبر 2022م، بنبأ رحيل صديقي الحبيب صلاح الدِّين حاج سعيد عن هذه الفانية، بعد معاناة تطاولت مع المرض، جعلها الله في ميزان حسناته.
تعود علاقتي بصلاح الوديع الودود إلى أواخر العام 1967م، حيث ألَّف بين قلبينا الشَّغف بالشِّعر، والوله بالموسيقى، وتتبُّع عظماء المغنِّين والشُّعراء، مثلما جمعت بيننا وبين رفاق أعزاء كثر، محبَّة الوطن، ونضال الحزب الشِّيوعي، والثَّقة في مستقبل الاشتراكيَّة الوضَّاء. وكم كان فرحي كبيراً يوم دفع إليَّ بمخطوطة مجموعته الشِّعريَّة «مزمار الحلم الهشيم»، كي أقدِّم لها، ففعلت، وهأنذا لا أجد، أقرب إلى القلب من استعادة تلك الكلمة، فحاجتي لاستعادتها من حاجتي لاستعادة طيوف تلك الأيَّام الخوالي، رعى الله ذكرها، وذكر صلاح والرِّفاق أجمعهم:
[لبعض الرُّموز الابداعيَّة خصيصة القدرة على اختزال جيلها بأكمله، وعصرها بأسره. وصلاح الدِّين هو أحد هؤلاء بالنِّسبة للجِّيل الذي فتح أعينه على نور الحياة خلال النصف الثَّاني من أربعينات القرن المنصرم، بكلِّ ما توفَّرت له من روافع معنويَّة تغوى بالصُّعود، ومصدَّاتٍ مادِّيَّة توسوس بالانكسار، وما أكثر هذى وتلك، حيث التََّشَهِّى لإغواءِ الصًُّعود مأثرة في اليُسر، والمغالبة لوسواس الانكسار بطولة في العُسر، وفى «الخاصِّ»، تماماً، كما في «العام»: (وأعلمُ فى الهَوى أني فتىً هزتهُ منكِ براءة خجْلى/ وأشقى قلبَهُ المِمْراحَ قيدُ زمانِهِ المصلوبِ فوقََ عيونِكِ الوَجْلى/ أحسُّ حلاوة اللقيَا، وأحلمُ فيكِ بالتَّوقيتِ فوقَ سواعِدِ الميعادْ/ وألمحُهُ كما لقياكِ وجهَ خلاصِنا المزروع فوقََ شواهدِ الأوغادْ/ فوعدُ الحَرْفِ أن أهمِي بعِطرِ الشِّعر فوقَ جدائِل الإمكانْ/ ووعدُ الحُبِّ أن أختارَ مجدَ العِشق فى عينيكِ .. أحفظ سِيرة الإنسانْ)!
ولا غرو، فقد تفتَّحت عيون ذلك الجِّيل، في عقابيل الحرب العالميَّة الثَّانية، على عصر بطولىٍّ اتَّسم، عالميَّاً، بهزيمة النَّازيَّة والفاشيَّة، ورفرفة رايات السَّلام والدِّيموقراطيَّة والاشتراكيَّة والتحرُّر الوطني، من أقصى الكوكب إلى أقصاه، مثلما اتَّسم، سودانيَّاً، بالنبش المجيد، ظِفراً وناباً، في قلب الصَّخرة البريطانيَّة الصَّمَّاء، عن سبيل لاستقلال أمَّتنا! ثمَّ ما لبث الوعي الشِّعري لهذا الجِّيل أن تفتَّح على ملاحم القوى الاجتماعيَّة الحيَّة تصادم نظام أرستقراطيَّة الجَّيش الذي تأسَّس على انقلاب الفريق عبود في نوفمبر 1958م، حتَّى استوى ذلك الوعي الباكر خلقاً إبداعيَّاً مُمَيَّزاً في أتون الثَّورة الشَّعبيَّة المظفرة التي أطاحت بتلك الدِّكتاتوريَّة البغيضة في أكتوبر 1964م:
(فلتأتِ يا أكتوبرُ .. رغمَ الألم البادي فوقََ جراح الحُرقةِ والتَّعذيبْ/ ولتأتِ برغمِ سنينِ الصَّبر القابع تحتَ الظَّنِّ الخاطئ والتَّقريبْ/ فرَحاً أخضرَ يمسحُ هذا الهمَّ القابضْ، يرفضُ هذا الذُّلَّ الرَّابض)!
أنتمي أنا نفسي إلى ذات الجِّيل. ولئن كانت تلك هي العناوين الرَّئيسة لتلك الحقبة، فثمة تفاصيل تستعصي على الرَّصد في حقول السِّياسة والاجتماع والثقافة والأدب والفنِّ والرِّياضة، بل وفي طوايا «الخاصِّ»، و«خاصِّ الخاصِّ»، وما قد يكفى وصفه، إجمالاً، بالأفق المفتوح على كلِّ الآمال العِراض:
(يا ألفَ ما أوَدْ/ لو يجيئني الكلامُ طائِعاً كما أوَدْ/ لو تنداحُ في فواصِلي روائعُ البهاءِ .. أستزيدُ في المَدَدْ/ فالشَّوقُ للعيونِ جائِشٌ، وحُبِّىَ النَّبيلُُ ذاخِرٌ، ولا يُحَدْ)!
ربطتني بصلاح صداقة عذبة منذ بواكير ذلك التَّشكُّل الابداعي، بكلِّ ما اكتنز به، وقتها، من طاقة الفداء النَّبيل، وثراء الدَّهشة الصَّبيَّة، والرَّغبة الباذخة في هدهدة الحلم الإنسانيِّ الفاره، يوم كان يبدو، لغـرارتنا، فـي متناول الأيـدي، بل ملء الأكفِّ، قبل أن تعشوشب الأحزان في الدَّواخل حدَّ الفجيعة، وتتسامق، مثلما اللبلاب، على أغصان الفرائص والحنايا، ليغدو (حلمنا) الأوَّل ذاك محض (هشيم) تذروه ريح، وتسفوه ريح، فما ينفكُّ يتناءى سراباً كلما تراءى زُلالاً، ويتلاشى صدىً خافتاً كلما حسبناه صليل وعد عبق، وبشارة دبقة، فلا يورثنا سوى الحيرة والحسرة، ولا يَعِدنا بغير ليالي الحمَّى والهذيان: (تتساقط منِّي الكلماتُ بلا معنىً/ فأتوهُ، ويفقدُ عفوُ الخاطر ما أتذكرُ أن أعْنِيهْ/ الحَيرة بادية الأوصافْ/ والأسطرُ باردة الأطرافْ/ من أين ستبدأ يا شِعري، وأنا مشنوقٌ فوقَ صليبِ الدَّهشةِ والإيحاءْ)!
ذوت نضارة الاستقلال أمام أعيننا الواجفة، مباشرة، وشحُب يانع أكتوبر. ولأن المشهد اتَّخذ في وجداننا شكل الطَّعنة النَّجلاء في الظهر، فقد نصبنا من (مزاميرنا)، على الفور، ضحايا وشهوداً وقضاة في آن! مغدورين، إذن، عدَدْنا أنفسنا، ومغدوراً طفل أحلامنا البكرة، بخناجر قتلة مأجورين، مثلما استعصى، بذات القدر من اليقين، على ثوريَّتنا الرُّومانسيَّة أن تتجرَّع أوهى خاطرة بأن ليست في الأمر خيانة ما .. هنا أو هناك! ومِن ثمَّ مضينا ندمن غصص المظلومين، ونجوى شكاياتهم، لا فرق بين عسف عدوٍّ وبين تفريط صليح، فدمُ أحلامنا في رقبة الكلِّ، والكلُّ في ميزان عدالتنا، مدانٌ نرميه بنشيد الوأد، وعطر الموت، ووجع النعي، وثقل الهمِّ، وفيض الألم، وغصص القلب الشَّارق بالدَّمع، وليس من عجب أن تلك بعض عناوين قصائد صلاح: (بلدي اللحظةَ حينَ ذكرتُكَِ مِتُّ/ وحين أتاني النَّعيُ .. بكيتُ وما استكفيتْ/ لو أنِّى كنتُ صغيراً يشربُ دمعَ الدنيا فيكِ لما استغنيتْ/ لكنى حينَ وأدتُّ الدَّمعَ كبيراً صرتِ هنالك بحرَ دموع فاضَ ولمْ يُحبَسْ/ بالحَمْل ينوءُ القلبُ فلا يَلبثْ/ قلبي يتوجَّع، لكنْ أرجعُ دونَ دمُوعْ/ اللحظةَ أعصِرُ قلبي همَّاً/ أشبكُ إصبعَ ألمِي حرفَ خنوعْ/ البيتُُُ خواءْ/ الزَّحمةُُ ألفُ ذراع مُدَّ بغير ذكاءْ/ الشَّارعُ نبضٌ ماتَ بقلبِ الصَّمْتْ/ يتكالبُ عِطرُ المَوْتِ الأسوَدِ عبرَ الخطوةِ في الأسفلتْ/ الحقُّ تأخَّر .. ضاعَ الوقتْ/ وأنا وحدِي)!
هكذا صدح (مزمار) صلاح الدِّين، منذ أواخر ستِّينات القرن المنصرم، متناغماً، وقع الحافر على الحافر، مع مناحات جيلنا الواحدة المتوحِّدة، إيقاعاً ومفردة وموسيقى، ومتساوقاً، حذوك النَّعل بالنَّعل، مع عشرات (المزامير) الصَّادحة بفجيعة عصرنا الحامض، وهمومه العميقة، وأوجاعه التي تبدَّت لنا، أوَّل أمرها، كأن لم تبق ولم تذر: (حبيبتي .. كرهتُ أعينَ الفضول تبصقُ الحديثَ في الزحامْ/ وألسنَ المستوزرين في إمارةِ الكلامْ/ المُقبلين في مواسم الفواتْ/ مخاتلين من مهادِهمْ .. إلى المَمَاتْ)!
لكن، برغم كلِّ تلك المنغِّصات والإحباطات ودوافع اليأس والاعتزال، تصمد الكلمة الشَّريفة عند صلاح، كما عند مجايليه من الشُّعراء التقدميِّين، فما تزال، وقد وخط الشَّيب فوديها، تتسربل بذات شرفها وعزتها ونخوتها، ولعلَّ هذا هو بعض الزَّاد الرُّوحي لكلِّ تلك (المزامير)، حتى لتكاد تتماهى، أجمعها، وتندغم في (مزمار) واحد بديع لا يذهل لحظة عن تمجيد ذلك (الحلم الهشيم) ولو بالتَّحيَّة العابرة: (حبيبتى .. لكنَّما، وحينما عرفتُ في عينيكِ كيفَ ننكرُ الذواتْ/ وكيفَ نبذلُ العَطاءَ دونما التفاتْ/ وهبتُ كلَّ ما ملكتْ/ وكلَّ ما أفلتُّ أو أمسكتْ/ لمْ يَبقَ لي سوى أمُرُّ مُطرِقاً/ وحينما أفوتُ .. أرفعُ السَّلامْ)!
وبعد، شرَّفني صلاحٌ بأن أقدِّم لمجموعته الشِّعريَّة الأولى (مزمارُ الحلم الهشيم) التي أبهجني صدورها بعد أن تأخَّرت كثيراً، فهذه بضع كليمات وددتُّ أن يجئن، على تواضعهنَّ، شارة محبة لصديقي العزيز، وتلويحة تقدير لفنه الرفيع].
الخميس
في مثل هذه الأيَّام الفاصلة بين الخريف والشِّتاء من العام 1989م، والانقلاب الاسلاموي لمَّا يزل، بعدُ، في شهوره الأولى، كنَّا مجموعة من قادة النَّقابات، ومنظَّمات المجتمع المدني، معتفلين بزنازين «المديريَّة» في قسم «الغربيَّات» من سجن كوبر، بينما زعماء الأحزاب، والقادة السِّياسيُّون، نزلاء زنازين «المعاملة» في قسم «الشَّرقيَّات». ولمَّا علمنا أن جهاز الأمن يتأهَّب لترحيل بعضنا إلى سجني بورسودان وسواكن، صرنا نسابق الزَّمن لنضع اللمسات الأخيرة على مساهمتنا في «ميثاق التَّجمُّع»، لنبعث بها إلى قيادته التي تكوَّنت، آنذاك، بالقاهرة، مِن أوائل الزُّملاء الذين تمكَّنوا من مغادرة البلاد، برغم الصعوبات، وشرعوا، وسط كلِّ تلك الظُّروف الدَّقيقة، في تنظيم «التَّجمُّع الوطني الدِّيموقراطي» المعارض، وبعثوا إلينا، من ثمَّ، بمسودَّة «ميثاقه» الباكرة، والتي أعدُّوها، وهرّبوها إلينا، داخل السِّجن، لمراجعتها، وإعادتها إليهم، مشفوعة بملاحظاتنا.
كنت مسؤول الصِّلة عن قسم «المديريَّة» مع قسم «المعاملة» الذي كان خالد الكد مسؤول الصِّلة عنه مع قسمنا. فكان خالد يتسلَّل إلى قسمنا ليستلم ملاحظاتنا، وبالمثل كنت أتسلل إلى قسمهم لنفس الغرض. وذات ظهيرة كنت واقفاً تحت ظلِّ النِّيمة الضَّخمة شرقيَّ حمَّامات «المعاملة»، بانتظار أن يُحضر لي خالد «الأمانة» من داخل زنزانته. فرُحت أتابع جانباً من نقاش كان محتدماً بين صلاح ابراهيم احمد وحسن التُّرابي، فقال الأوَّل للثَّاني:
ــ «دلوقت قول يا حسن إنكم نجحتوا في انقلابكم، لكين السُّؤال شنو البيضمن ليكم المحافظة عليه»؟!
أطلق التُّرابي ضحكة ساخرة، واعتدل في جلسته، واضعاً المخدَّة على حجره، وردَّ على صلاح بقوله:
ــ «إنت طبعاً بتتكلم وفي ذهنك طريقتكم القديمة العقيمة الما بتعرفوا غيرها، تستنفروا طلبة جامعة الخرطوم عشان يصادموا ليكم البوليس، يتكتِل طالب زي القرشي، تخطفوا الجثمان وتنطلقوا بيه في الشَّوارع، تنضم جامعة القاهرة، والمعهد الفني، والمدارس الثانويَّة، وشويَّة نقابات، والمسألة تهيص، ووسط الفوضى تسقط الحكومة، وتستلموا السُّلطة، وينتهي العرض»!
ومن بين قهقهاته المتقطِّعة راح التُّرابي يواصل:
ـــ «لكين السُّؤال الحقُّو تجاوبوا عليهو هو ليه بتعتمدوا على طلبة جامعة الخرطوم بالذَّات يعملوا ليكم ضربة البداية! أنا أقول ليك: إنتو ربيتوهم على أنهم أهمَّ راسمال في البلد لدرجة بقى في هتاف عجيب في المظاهرات بقول: مقتل طالب مقتل أمَّة! طبعاً! وليه لا؟! سرير جوَّه وسرير برَّه! سُفرة باذخة بتلات وجبات ليهم ولضيوفهم كمان! ولبن بعد العشاء! وممنوع يحاضرهم إلا خريج بدرجة الشَّرف من نفس الجَّامعة، وحاصل على الماجستير والدُّكتوراه من بريطانيا! وشروط ما أنزل الله بها من سلطان! نحنا بقى حنعيد ليكم صياغتم من جديد .. مافيش سراير جوَّه وبرَّه! مافيش سُفرة! مافيش لبن! حنخليهم بدل دلع السُّفرة يلهثوا من الصَّباح لآخر الليل ورا سندوتش طعميَّة! وحنجيب ليهم خريجين ليبيا يحاضروهم، وبالشِّهادة الأساسيَّة كمان! وريني بعد داك منو الفيهم حيصادم ليكم بوليس، أو يمشي يتكتِل ليكم في مظاهرة»!
الجُّمعة
إلى الذين يولون الأمريكان ثقتهم العمياء، ويعتقدون، جزماً، في حرصهم على تحقيق أهمِّ مبادئ ثورثنا وأهدافها، وأنهم لن يخلفوا وعدهم لنا بدعم بلادنا على طريق الدِّيموقراطيَّة والسَّلام والعدالة، أهدي الخبر الآتي:
بالجمعة 18 نوفمبر 2022م، وفي مقابلة مع قناة CNN الأمريكيَّة، انتقدت الحقوقيَّة سارة ليا واتسين، المديرة التَّنفيذيَّة لـ «منظمة الدِّيموقراطيَّة الآن» بواشنطن، منح «الحصانة» من المساءلة الجَّنائيَّة، للأمير محمَّد بن سلمان، حسبما رشحت نيَّة أمريكا لذلك، مؤخَّراً، عبر أجهزة الاعلام، ما يعني إعفاءه من الدعوى التي رفعتها خديجة جنكيز، خطيبة الصَّحفي السُّعودي جمال خاشقجي، أمام محكمة المقاطعة الفيدراليَّة بواشنطن العاصمة، في أكتوبر 2020م، تتَّهم فيها بن سلمان و28 آخرين بالاشتراك، عام 2018م، في «اختطاف واقتياد وتخدير وتعذيب واغتيال» خاشقجي في القنصليَّة السُّعوديَّة باسطنبول، وتقطيع جثَّته!
ووصفت واتسين هذه «الحصانة»، كاحتمال قابل للتَّحقيق من قبل الرَّئيس الأمريكي، بـ «التَّطوُّر الصَّادم والمروِّع للغاية»، حيث كان بايدن قد وعد العالم بإخضاع بن سلمان للمسائلة في مقتل خاشقجي! وعضَّدت وزارة العدل الأمريكيَّة من هذا الاحتمال بإيرادها، يوم الخميس الماضي، أن الإدارة خلصت إلى أن وليَّ العهد السُّعودي لديه حصانة قانونيَّة من الملاحقة القضائيَّة في دعوى مقتل خاشقجي! وبرَّرت واتسين نقدها لهذه «الحصانة» بأنَّها تعني منح بن سلمان «الضُّوء الأخضر للاستمرار في القيام بما قام به»!
لسَّبت
ضمن مؤتمر “دور الإمام الصَّادق المهدي السِّياسي”، بقاعة الشَّارقة، خلال الفترة 26-28 نوفمبر 2022م، قدَّم الحاج ورَّاق مساهمة متميِّزة بعنوان “شهادات شخصيَّة حول موقف الإمام من نظام الإنقاذ”، حيث جاءت مختلفة عن الأشكال والمناهج المعتادة في إعداد هذا النَّوع من الأوراق،
وزَّع ورَّاق محتويات عمله على خمسة عناوين جانبيَّة، ما بين مقدِّمة، وخلاصة شَّهادات بآراء ومواقف فكريَّة، وفقهيَّة، وسياسيَّة عديدة سمعها، مباشرة، من الإمام في جلسات خاصة، أهمها شهادة حول “المواكب والاعتصامات”، وشهادتان برؤيتين حول سقوط النِّظام البائد. وحتَّى لا يتشكَّك، أو يشكِّك، أحد في صدقيَّة هذه الشَّهادات المنقولة عن الإمام، خاصَّة وأن ورَّاق لا يُخفي محبَّته له، أو علاقته الشَّخصيَّة به، كآلاف السُّودانيِّين، فقد اختتم المساهمة بنماذج لهذه الآراء والمواقف، مجتزأة من خطب الإمام، وكتاباته، مع إيراد مصادرها وتواريخها، وكفى بذلك توثيقاً أميناً نزيهاً!
في السِّياق قال ورَّاق إن الإمام ظلَّ رافضاً للنِّظام البائد، ومقتنعاً بأنه سيسقط، لا محالة، بـ “مواكب” شعبيَّة تصل قمتها بـ “اعتصامات” سلميَّة في المواقع الاستراتيجيَّة. وكان يرغب في انتصارها سلميَّاً. ولهذا ركَّزت استراتيجيَّته على بلورة الانتقال لنظام مدني ديموقراطي، مع الضَّغط على “الإنقاذ” لإحداث فرز داخلها بين الرَّافضين للانتقال، والقابلين للتَّفاوض، مما يتيح للانتفاضة أن تشقَّ طريقها وسط تناقضات النِّظام، تجنُّباً لحمَّامات الدَّم، فضلاً عن ضمان انتقال مستقر.هذه الاستراتيجيَّة المعقَّدة تتطلَّب تعبئة مستمرَّة للجَّماهير، ومناورات، في ذات الوقت، ورسائل تطمين لقيادات النِّظام المتردِّدة، أو القابلة للاجتذاب وسط الأجهزة الأمنيَّة. ويقطع ورَّاق بأن مثل هذه المناورات لم تكن لتشكِّل أزمة وسط جماهير الأنصار وحزب الأمَّة، بحكم صدقيَّة الإمام لديها وموثوقيَّة، بعكس التَّشويش الذي يحدث للقطاعات الأخرى، مما يؤدِّي لتشكُّكها في حقيقة موقف الإمام من إسقاط “الانقاذ”! ويقول ورَّاق إنه، بهذه الشَّهادات الشَّخصيَّة، إنَّما يسعى لتوضيح هذا الموقف. فالذين يجنحون لإنكار حقيقة هذا الموقف، فإنَّما يفعلون ذلك باختزاله في هذا التَّصريح أو ذاك، مع إغفال النَّاظم الرَّئيس طوال سنوات “الإنقاذ”! وعلى ما في ذلك من تربُّص، ففيه، أيضاً، تضليل دعائي، باختزال الأمر على نمط المغالطة الشَّهيرة المسمَّاة “رجل القش -الهمبول”، فتتحدَّث عن “السّالب” في شخصيَّة وأداء الامام، في حين تعمى عن رؤية “الإيجابي”! هذا المنهج ينحو، عموماً، لتصوير آراء الإمام بطريقة تنزع عنها الحياة، والثَّراء، تسهيلاً لتفنيدها ودحضها، بينما يمكن للجِّدال الموضوعي أن يثري معارفنا بالانتفاضات والثَّورات الشَّعبيَّة، وبشروط انتصارها، فضلاً عن الملائم من التَّكتيكات، وطبيعة الفاعلين السِّياسيِّين.
ويكشف ورَّاق أن الإمام ظلَّ، منذ وقت باكر قبل الثَّورة، وفي لقاءات شخصيَّة، يكرِّر خطته لتنظيم “المواكب” و”الاعتصامات”.
ويتذكَّر ورَّاق أبرز مناقشاته مع الإمام، ذات يوم من ٢٠١٠م، حول خطَّة سحب جميع مرشَّحي المعارضة، لصالح مرشح رئاسي واحد هو ياسر عرمان، كمقدِّمة لانتفاضة ناجحة في حالة إعلان نتيجة زائفة للانتخابات، فكرَّر الإمام ضرورة استناد الخطَّة إلى “الاعتصامات” في السَّاحات العامَّة.
فكرة “الاعتصامات”، وإن ظلَّت ثابتة عند الإمام، إلا أن ما يستحقُّ التَّنويه هو أنه دعا لها حتى قبل اعتصام ميدان التَّحرير بالقاهرة، مِمَّا يؤكِّد أصالتها لديه، كتمهيد باكر لـ “اعتصام” ثورة ديسمبر أمام القيادة العامَّة!
ويذكر ورَّاق رواية الإمام له رؤيتين مناميَّتين عن سقوط “الإنقاذ”، حيث رأى، في الأولى، قطَّة وعقربة تتعاركان، فلدغت العقربة القطَّة التي نهشتها بمخالبها، فقضيا معاً! وقال وأوَّل الإمام تلك الرؤية بصراع مركزين من قوى “الإنقاذ”، بين مدنيِّيها وعسكريِّيها! أمَّا في الثَّانية، حسبما روى الإمام، فقد احتشدت الشوارع بالمتظاهرين كبشارة بسقوط النِّظام، بانتفاضة شعبيَّة!
لم يقصد الامام، بطبيعة الحال، حمل الآخرين على تصديق الرُّؤيتين أو تأويلهما، وإلا فإن روايته لهما لم تكن لتفتصر على دائرة صغيرة من ذويه وأصدقائه! لكن ما يمكن استنتاجه، بالنِّسبة له، كرجل يؤمن بالغيب والرُّؤى، فإن الرُّؤيتين ظلتا تشكلان مواقفه تجاه “الإنقاذ”، وواضح أن ذلك هو ما أهمَّ ورَّاق من وراء إيراده لهذه الرِّواية. إذ بغضِّ النَّظر عن الغيبيات، فإن الرُّؤيتين، حتَّى لو تمَّ تفسيرهما نفسيَّاً، فإنهما يعكسان لاشعور الإمام، مما يؤكِّد أنهما كانا جوهر مخياله السِّياسي، وبؤرة استراتيجيَّته تجاه نظام “الإنقاذ”.
إنتقل ورَّاق، بعد ذلك، لإثبات صدق تلك الشَّهادات الشَّخصيَّة، من كتابات الإمام، وخطبه، حيث ظلَّت “المواكب والاعتصامات” تتكرَّر في فكره منذ ٢٠٠٥م الي ٢٠١٩م:
أ/ ففي مخاطبته للملتقى التَّفاكري لـ “القوى الوطنيَّة حول أزمة دارفور” في 9 نوفمبر 2005م، قال: “نضمِّن (مطالبنا) في مذكرة بمسيرة قانونيَّة كبرى تؤكد حجم الدَّعم الشَّعبي لها .. وأيضاً .. باعتصامات في مناطق مختلفة”.
ب/ وفي كلمته بالمؤتمـر الصَّحفـي رقـم (20)، بدار الأمَّـة، في 4 سبتمبر 2006م، قال: “القوى السِّياسيَّة .. تفعِّل موقفها .. بالاعتصامات والمواكب والليالي السِّياسيَّة”.
ج/ وفي خطابه بندوة الأربعاء 7 مارس 2007م، بدار الأمَّة، قال: “وسائل هذا التَّعبير .. مواكب .. واعتصامات”.
د/ وفي كلمته في ذكرى تحرير الخرطوم، واستقلال السودان الأوَّل 1885م، 26 يناير 2011م، ( يوم الفرقان)، قال: “ينبغي تكوين جبهة عريضة بميثاق .. ولتنفيذه .. تتَّبع .. المعارضة جهاداًً مدنيَّاًً بالاعتصامات والمواكب”.
هـ/ وفي كلمته أمام الأمسية التي نظَّمها برلمان القوى الشَّعبيَّة بدار الأمَّة في أكتوبر 2013م لتأبين شهداء سبتمبر، قال: “ندعو .. لتنظيم .. مظاهرات اعتصاميَّة في كل الميادين العامَّة .. وأمام السفارات”.
و/ وحول زيادة الأسعار الجنونيَّة، قال، في 26 سبتمبر 2013م: “ندعو .. لتنظيم حشود شعبيَّة في السَّاحات العامَّة في العاصمة .. والأقاليم”.
ز/ وفي كلمته أمام لقاء الإعلاميين، في22 ديسمبر 2018م، بدار الأمة، قال: “التحركات الشعبية الحاليَّة ضدَّ النِّظام مشروعة، لأنَّها تعبِّر عن رفض شعبي له انتظم الخرطوم، وأم درمان، وعطبرة، وبربر، والأبيض، والقضارف، والجزيرة أبا، وكوستي، وربك، وغيرها .. اقتراحنا لتسيير موكب جامع يقدِّم مذكرة، وتشترك فيه كل القوي السياسية والمدنية”.
ح/ وفي “ميثاق الخلاص الوطني” الذي طرحه في 27 ديسمبر 2018م، قال: “نعتصم جميعا في مائة موقع داخل السُّودان، وأمام سفاراته بالخارج، اعتصاماً يستمر مصحوباً بإضراب عام، إلى أن تتحقق مطالب هذا الميثاق”.
ط/ وضمن خطبة الجُّمعة بمسجد الهجرة بودنوباوي في 25 يناير 2019م، قال: “ميثاق الحريَّة والتغيير ،. يعقبه تسيير مواكب .. حاشدة وصامتة ترفع شعارات “ميثاق الخلاص والحريَّة والمواطنة” .. ثم يحتشد الشَّعب في مائة موقع، داخل السُّودان وخارجه، في اعتصامات ترفع شعارات الميثاق”.
ي/ وقال لشركاء “نداء السُّودان”، في 19 مارس 2019م: “علينا الالتزام .. بالإسراع بتنظيم المواكب الحاشدة في كل الولايات وفي الخارج .. وتتبع ذلك الاعتصامات”.
الأحد
خرج أحد وزراء الخليفة العباسي المهدي للصَّيد، فأوغل به فرسه في الصَّحراء حتى بلغ منه العطش مبلغاً. وأخيراً وجد نفسه أمام خيمة أعرابي، فنزل وقال يا أعرابي، هل مِن قِرى «أي ضيافة»؟ فأخرج له الأعرابي شراباًً وسقاه، فقال الوزير للأعرابي: أتدري من أنا؟ قال: لا، قال: أنا من خدم الخليفة الخاصَّة. فقال الأعرابي: بارك الله لك في موضعك. ثمَّ سقاه مرة أخرى فقال الوزير: يا أعرابي ، أتدري من أنا؟ قال: زعمت أنك من خدم الخليفة الخاصَّة! قال: لا، بل أنا من كبار قوّاد الخليفة، فقال الأعرابي: رحُبت بلادك، وطاب مُرادك، ثم سقاه الثَّالثة. فلما فرغ قال يا أعرابي: أتدري من أنا؟ قال: زعمت أنك من كبار قُواد الخليفة. قال الوزير: لا، بل أنا وزير الخليفة، فانتزع الأعرابي الإناء منه، قائلاً: إليك عنِّي! فوالله لو واصلت هكذا لادَّعيت، في نهاية المطاف، أنك رسول الله نفسه!
kgizouli@gmail.com