من ينتظر “التوافق الكامل” فهو حالم بذهبٍ تمطره السماء. لقد صفق بعض القوم ذات يوم حين بدأ الفريق أول البرهان، الترويج لمقولة التوافق، وأنه لن يسلم السلطة إلا بعد حدوث توافق، بل وجعلها ذريعة لانقلابه المشهود، فهلل وكبر من ساندوه، وشرعنوا لانقلابه باعتصام القصر وهتفوا ملء حناجرهم: (الليلة ما بنرجع .. إلا البيان يطلع).
هل دارت الدائرة وجاءت دورة البغضاء بعد أيام الصفاء؟ كل ما نعرفه أن معالم الدرس قد وضحت، فالتوافق الكامل خرافة، وسيظل هناك دائما من يقف (مع) ومن يقف (ضد)، إنه ناموس كوني، عرفه أهل الفكر وأهل الريادة وأهل العلم وأهل الإصلاح الاجتماعي، بل وعرفه الأنبياء والرسل، ولم يحظ أحدهم بإجماع الناس قاطبة.
ليس المطلوب الآن التوافق الكامل، فيكفي بعض التوافق المعقول الذي يحفظ الوطن من شرور تلوح بعنقها، ويرخي خناق الديون عن أعناقنا، ويدعم الإنسان السوداني الذي عاش ضنكاً لا يستحقه، ويتيح الفرصة لإنجاز بنيات تحتية تغرس أوتاد النماء لوطن جدير به.
ما يغمض بعضنا عينيه عنه، أن أي وثيقة يدوّنها البشر ستظل “وضعية” ليس لديها مناعة من التعديل لاحقاً إن كان ثمة ضرورة لذلك، فالبرلمانات لا يتم إقامتها إلا لمثل هذه الأغراض، ومن كان يرى أنه صاحب الأغلبية فإن الانتخابات بعد الفترة الانتقالية ستتيح تأكيد رؤيته من عدمها، فإن دانت له أغلبية البرلمان، فهنيئا له بما يرى من تعديل عبر أكبر قناة توافقية في الوطن.
لنحاول تجريب شيء من التنازلات الإيجابية، فكل المهم الآن أن نحفظ الوطن وإنسانه؛ حيث تنامت المعاول التي تريد هدم كل شيء (وكيف يطول للأشجار عمرٌ .. إذا كثرت فؤوس الحاطبينا)؟!
بعض الوعي قد ينجي المركب من الغرق ..
وهذا ما يجدر بنا النظر إليه.