من المتوقع أن يتم اليوم الاثنين، التوقيع على الاتفاق الاطاري المتفق عليه بين مركزية قوى الحرية والتغيير وقوى الانتقال والمكون العسكري، وربما يتم تأجيل التوقيع لوقت لاحق اذا ما تمت الاستجابة لطلب الكتلة الديمقراطية، غير أن الأهم من هذا التوقيع المتوقع اذا ما تم اليوم أو في وقت لاحق، هو تلك القضايا التي تم ترحيلها الى مرحلة ما بعد التوقيع على الاطاري، بغرض إجراء مناقشات أوسع حولها بمشاركة جماهيرية واسعة تشمل أصحاب المصلحة للتوصل إلى توافق بشأنها وضمها إلى الاتفاق النهائي،وهي قضايا في غاية الحساسية والتعقيد وتمثل قنابل موقوتة، اما تنفجر أو يتم ابطال مفعولها، وهي العدالة والعدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية ومراجعة اتفاق جوبا للسلام وتفكيك نظام المخلوع..
من البدهي أن أية عملية تفاوض ليست هدفا لذاتها، وإنما هي آلية ووسيلة تفضي إلى إحدى نتيجتين، إما اتفاق حول المتفاوض عليه أو لا اتفاق، وبهذه البدهية فإن الأهم من التفاوض هو ترتيبات ومترتبات ما سيفضي اليه في الحالتين، حالة الاتفاق واللا اتفاق، ففي حالة الاتفاق فإن سودان ما بعد التفاوض ينبغي ان لا يكون هو سودان ما قبله، ولتأسيس دولة سودانية حديثة وجديدة تنهض من بين ركام الماضي البغيض فتلك عملية ليست سهلة بل هي تماثل تماما حالة من فرغ من الجهاد الأصغر ويتهيأ لخوض غمار الجهاد الأكبر، وأنا والله شديد الاشفاق على من يتولون أمر قيادة الدولة في الفترة الانتقالية القادمة، وذلك لما سيجدونه على طاولاتهم من تحديات وأزمات ومشاكل تخر من جسامتها الجبال ويشيب لهولها الولدان، أما في حالة اللا اتفاق وانهيار المفاوضات فـ(أنسى بس)، فعدم الاتفاق واعلان انهياره ووقفه نهائيا لا يعني سوى العودة إلى العداوة وبأشد مما كانت، واذا حل العداء وقعت الحرب لا محالة، ومتى (بعثت) الحرب الحقيقية والسياسية مجددا فإنها ستندلع اكثر قبحا ودمامة من سابقاتها، وسينفجر العنف القبلي بأقسى وأبشع مما هو حادث، وستزداد وتيرة حالات الانفلات الامني والنهب المسلح، وبالنتيجة ستزداد جرعة ومساحة التدخلات الخارجية وعندها يحق لأي ناعٍ أن يقول مترحما على البلاد (كان هنا وطن اسمه السودان)، هذا السيناريو الاسود غير مستبعد اذا لم يضع شركاء التفاوض هذا الامر في الحسبان واولوه الاهمية الاولى وتعاملوا معه كأولوية قصوى، ومن اسف هذا ما لم يحدث حتى الآن حيث ظل التعاطي مع القضايا المختلف عليها والتي تكفي اي واحدة منها لتفجير الاوضاع، دون حجم هذه القضايا وخطورتها بكثير..
إن القضايا العالقة التي ما تزال معلقة تنتظر الحسم والتوافق بين شريكي التفاوض في المكون المدني والمكون العسكري، شابهت عندي (مصيبة) سلاطين باشا حين كان يقول عن نفسه (أنا المصيبة المعلقة على السبيبة) والتي حين انقطعت وقعت المصيبة، رغم ان الخليفة عبد الله كثيرا ما اسر لخاصته عن خوفه من مصيبة سلاطين وسبيبته، فبقدر ما ينقطع التفاوض والحوار الجاد والمسؤول والمنتج حول هذه القضايا للوصول بها إلى نهايات مرضية ومتراض عليها، تقترب المصيبة من الوقوع وهكذا إلى أن نجد انفسنا للاسف امام واقع مرير طالما تخوفنا منه، فالوقت يمر والاقتصاد ينهار يوما بعد يوم والضوائق تحكم قبضاتها على الناس وطال واستطال أمد الفراغ الدستوري وغياب الحكومة، وهذا الحال المفزع والوضع المخيف، يفرض على الطرفين سرعة الوصول إلى صيغة من الاتفاق والتوافق تحقق أهداف الثورة وترسخ السلام وتوطد دعائم الاستقرار وترعى التعايش وتراعي المصالح العليا للبلاد والعباد، وبقدر النجاح في هذا الجانب ستنجح الفترة الانتقالية، وبقدر الفشل فيه فلن يكون في الانتقال أي حل..
الجريدة