أصدرت منظمة الحارسات بياناً حول موقفها من الاتفاق الإطاري، أشارت فيه إلى الجوانب والسلبية من وجهة نظرها، وتسلمت “التحرير” نسخة منها: مواد في الاتفاق الإطاري لا تفي بمطلوبات الانتقال الديمقراطي
موقفنا من الافاق الإطارى
وقعت قوى الحرية والتغيير وأطراف سياسية أخرى اتفاقا مع قيادات إنقلاب ٢٥ اكتوبر ، تضمن عددا من المواد الإيجابية مثل النص على سلطة مدنية ديمقراطية كاملة دون مشاركة القوات النظامية ، ولكن الاتفاق كذلك تضمن مواد أخرى سلبية، تجعل الإتفاق فى تقديرنا لا يفى بمطلوبات انتقال ديمقراطى ناجح.
ونذكر من هذه المواد السلبية :
1- أخطر ما ورد في الاتفاق المادة ( أولا-1) التي تنص (وحدة وسيادة السودان ومصالح البلاد العليا تسود وتعلو على اي أولويات أخرى) ، ولم يحدد الاتفاق هذه “المصالح العليا”ولا الجهة المخولة لتفسيرها، مما يهيئ للانقلابيين استخدام هذا المصطلح الفضفاض للانقلاب على الانتقال المدني الديمقراطي، تحت زعم ان مصلحة عليا ما تخصهم تعلو على الانتقال، وهذا ما سبق وأشار اليه قائد الانقلاب حين خاطب الضباط والجنود قائلا ان لديهم السلاح فإذا لم يمارس المدنيون السلطة بالطريقة التي تروق لهم فيمكن ان ينقلبوا من جديد.!!.
2- ونصت المادة (ثالثا-١٣ ) من الاتفاق على ان تكون الفترة الانتقالية عامين، فى حين ان تصفية ركائز النظام الشمولى الذى سمم البلاد لثلاثين عاما لا يمكن ان تتحقق ولو فى حدها الأدنى فى هذه الفترة القصيرة.
3- نصت المادة (ثالثا- ٥) من الإتفاق على ان تتولى السلطة الإنتقالية” كفاءات وطنية” ، وسبق وكرر قائد الانقلاب مراراً انه تم الإتفاق على كفاءات ” مستقلة” ، وحين يستخدم الانقلابيون مصطلحات كفاءات، تكنوقراط او مستقلين فإنهم يعنون بذلك الشخصيات المتوائمة، بلا طعم ولا لون ولا موقف ثابت ضد الديكتاتوريات ، مما يجعلها أداة طيعة للانقلابيين وأجهزة الاسلامويين الأمنية. ونؤكد نحن في الحارسات ان طبيعة الشخصيات التي تقود الانتقال ستحدد مدى نجاحه أو فشله. وندعو الي انفتاح الانتقال بما يعطي مجالا واسعا للكفاءات والخبرات غير الحزبية، ولكن هذا الانفتاح لابد أن يتأسس على معايير صارمة وواضحة على رأسها ضرورة الالتزام الفكري والعملي بقيم الثورة والديمقراطية، إضافة لتوفر القدرات القيادية، وبذلك يغتني الانتقال بعقول وخبرات السودانيين من شتى التكوينات، سواء لجان مقاومة او حزبيين وغير حزبيين ،ومجتمع مدني ونقابيين، أو فنيين وخبراء، نساءا ورجالا.
4- نصت المادة (ثانيا- ٩) على انتخابات شاملة فى نهاية الفترة الإنتقالية، لكنها تجاهلت أهم المبادىء الديمقراطية لهذه الانتخابات، كحريتها وتصويتها السري ومراقبتها دوليا، اضافة لمبدأ التمثيل النسبى ، وهو المبدأ الذى يضعف أدوار المال السياسى الرمادى والقبلية والعشائرية، وفى غياب النص على هذا المبدأ تحديدا فان انتخابات نهاية الفترة الانتقالية ستكون خصما على القوى الجديدة والمهمشة ، خصوصا النساء والشباب والفقراء، مما يعنى انها ستكون انتخابات تقليدية لا تعبر عن ملامح ثورة ديسمبر المجيدة، فتعيد انتاج الدوران فى الحلقات المفرغة، وغالبا ما تهدد السلم الأهلى.
وفى تقديرنا ان المواد المشار اليها ( فترة انتقالية قصيرة وحكومة تكنوقراط غير قادرة على تفكيك النظام القديم وانتخابات بناء على الدوائر الحغرافية المتلاعب بها) حين تؤخذ كحزمة واحدة فانما تشكل آلية لإعادة انتاج القوى القديمة.
وفضلا عن ذلك فإن الاتفاق لم يخاطب المشاكل الجوهرية الراهنة بصورة ملموسة ومحددة ، فاعاد تدوير المحفوظات المكرورة فى الخطاب العام، خصوصا فى الاتفاقيات السابقة، او طرح القضايا كشعارات مجردة دون محتوى محدد، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم يخاطب الاتفاق مشكلة الفساد المستشرى حاليا كوباء عام، وبالأخص الفساد المليشياوى المحصن بالسلاح والمحاصصات الجهوية؛ وكذلك قضية تصفية الإرث الشمولى المعادى للنساء سواء فى منظومة النظام العام التى سعى الانقلاب لإعادة بعثها تحت مسمى الشرطة المجتمعية او فى التعليم والاعلام والخطاب الدينى؛ كما لم يخاطب قضية الإرهاب بشكل ملموس، فى بلاد دفعت أثمانا باهظة لمغامرات الظلاميين التوسعية والتدخلية فى المنطقة، ولا تزال عناصر تلك الحقبة الكالحة يتصدرون المظاهرات المدعومة من الاجهزة الامنية، يكررون تهديداتهم بإراقة كل الدماء، بل ويتوعدون الدبلوماسيين بالقتل عيانا بيانا دون ان يدون فى مواجهتهم بلاغ واحد !! وهذا اضافة الى الإرهاب القبلى باغلاق الميناء وقطع شرايين البلاد، المدعوم ايضا من الاجهزة الامنية الرسمية والمخابرات المصرية التى تستبيح البلاد تحت غطاء كثيف من دخان مزايدات العملاء الصغار بالوطنية!.
وكذلك لم يحدد الإتفاق الضمانات اللازمة والآليات الكفلية بتنفيذ مااتفق عليه، ومامن عاقل يمكن ان يثق فى تعهدات البرهان- حميدتى اللذين انقلبا على الوثيقة الدستورية التى أقسما عليها دون ان يرف لهما جفن. !!.
كما ان القضايا التى أُرجئ الاتفاق حول تفاصيلها الى حين تشاور واسع، وهى قضايا العدالة والإصلاح الامنى العسكرى والتفكيك واتفاق جوبا والشرق ، قضايا رئيسية تحدد طبيعة ومآل الانتقال، فاذا صدقنا بانها لا تزال مطروحة حقا للتدوال الواسع ، فما من اى ضمان بان ما يتم التوصل اليه نتيجة هذا التداول سيكون ملزما للانقلابيين .
والأخطر ان الاتفاق تم توقيعه في ظل تشظي القوي الثورية ،مما يخل بتوازن القوي لصالح الانقلابيين والعسكريين ، وبالتالي يعطيهم الفرصة للتلاعب والتخريب. وتشظي القوي المدنية الديمقراطية مسؤولية مشتركة لجميع الفاعلين، خصوصا الفاعلين الذين غمرتهم المزايدات وأولئك الذين اعمتهم مطامع الصراع على السلطة، كما تتحمل الحرية والتغيير مسؤولية أعلى بحكم الدور الذي تصدت له، فضلا عن انه كان متاحا لها تنظيم جبهة مدنية ديمقراطية واسعة لولا الإستعجال والإنغلاق. وإذ عوضت هذا النقص الاستراتيجي باستقطاب قوي سياسية واجتماعية أخرى لتوسيع قاعدة الاتفاق فإن غالب هذه القوي غير مخلصة للحكم المدني الديمقراطي مما يرجح انها في غياب المركز الديمقراطي الصلب والواسع ستكون دوما في خدمة الانقلابيين يستخدموها للتعويق والتخريب.
وهكذا واضعين فى الإعتبار كل ما سبق فاننا نرى ان الاتفاق لا يلبى الحد الادنى لإنتقال ديمقراطى ناجح .
واننا اذ ننتقد الاتفاق لهذه الاسباب فاننا ننتقده من الموقع الديمقراطى، فلا ننطلق من المزايدات الشعبوية، كما لا ننخدع بحملات التضليل الإعلامي الممنهجة أو كلمات الحق التى يراد بها باطل الثورة المضادة ،وبالتالى نختلف مع قوى الحرية والتغيير التى وقعت الإتفاق لكننا لا نخونها ، ونرجو ان تستبين الانتقادات الموضوعية فتصحح مواقفها وتستعيد علاقتها العضوية بكافة قوى الثورة الحية خصوصا لجان المقاومة، كشرط لازم لتعديل توازن القوى وترجيح احتمال الانتقال الديمقراطى الآمن والناجح. ولكن الأهم ان موقفنا الديمقراطى لا يمكن باى حال من الأحوال ان يصطف مع فلول النظام البائد من الاسلامويين، فهؤلاء القتلة اللصوص يتصورون الشعب الذى ثار على سلطتهم كمارق ، يريدون إعادة تطويعه وإدخاله مرة أخرى فى بيت اشباحهم المشوؤم، ليستمروا فى نهب موارده وانتهاك حرياته وإذلال مواطنيه خصوصا من النساء؛ هؤلاء القتلة اللصوص ولأنهم طفيليون يتطفلون حتى على الثورة التى يبغضوها ، فيسعون الى التغطى بشعاراتها كى يغرقوها فى الدم، والمأساة الملهاة ان البعض من ادعياء الثورية لا يجدوا حرجا فى ان يركبوا سرجا واحدا مع فلول النظام البائد ، متناسين ان زقاق كتائب الظلام والثورة المضادة لا يمكن مطلقا ان يكون شارع الثورة الفسيح – شارع الحرية والسلام والعدالة.
واننا فى منظمة الحارسات لنؤكد بانه مامن ثوري/ة يستحق هذا الوصف يمكن ان تنطلى عليه أساليب خداع وتآمر الاسلامويين ، فيصطف معهم او يبتلع مزايداتهم الكذوبة المسمومة. وانه ما من ثوري/ة ديمقراطي/ة بحق إلا ويمايز نفسه عن المجرمين القتلة والمفسدين.
منظمة الحارسات
الخرطوم
اللجنة التنفيذية
٥ ديسمبر ٢٠٢٢م