بدأ التعليم في بلادنا بالخلاوى التي اهتمت بتعليم مبادئ الدين واللغة العربية والحساب.
حديثا برز التعليم النظامي بدءا بوادي حلفا ومدرسة الخرطوم شرق للبنين وسواكن ورفاعة للبنات. واقتصر التعليم الأساس الذي يشمل في مفهومه محو الأمية وتعليم الكبار على 4 سنوات ثم صار 6 وأخيرا رسا على 8 سنوات بغية ضمان بقاء النشء أطول فترة ممكنة لتمليكهم المعلومات والمهارات والسلوكيات اللازمة لبناء مواطن صالح يعي واجباته فيؤديها وحقوقه ليحرص عليها وحتى لا يتسرب كثيرون للشارع في سن مبكرة ويتعرضون للضياع وللحؤول دون الارتداد للأمية بفهوميها الأمية الأبجدية المعنية بالقرائية والحضارية التي تتمحور حول غائية التعليم المتمثلة في ” جعل الفرد يحسن التعامل مع مواقف الحياة المختلفة ” وهذا جوهر التعليم وإلا ننحدر لدرك ” القلم ما يزيل بلم “!
لكن رأى بعض المسؤولين أن يهزموا حلم الاحتفاظ بالدارس أطول فترة ممكنة وأعادوا الهيكلة لتقتصر قاعدة التعليم على 6 سنوات تليها مرحلة متوسطة مداها 3 سنوات ثم الثانوية فالجامعة في مرحلة اقتصادية دقيقة لا تتوافر فيها المباني والكوادر المدربة وحتى القدرة على إيجادها غير مواتية لا من قبل الدولة ولا المواطنين بدليل إشراك طالبين في كتاب واحد أحيانا في العاصمة زايدا تحدي الإجلاس مثالا ناهيكم عن الولايات والهوامش الجغرافية .. تلك الكتب التي تكتشف في بعضها عشرات الأخطاء على غير المعتاد.
في الخرطوم محل الطيارة تقوم والرئيس ينوم فتحت بعض المدارس في المبنى نفسه وجاء المعلمون ذاتهم ووقف التلاميذ كلهم في طابور واحد ثم دخلوا فصولهم إياها .. إذن ما الجديد?
ارتدى تلاميذ الصفوف الأعلى زيا مختلفا.
وبس
ولا ريب أن خلق مرحلة جديدة سينطوي على انشغال كوادر مدربة عديدة بالشأن الإداري سواء كان بالمدارس أو إدارات التعليم في وقت تشكو فيه مدارسنا من نقص ألاف المعلمين فيما سيعكف آخرون على ترميم النقابتين المنشطرتين وتسييرهما ولا أستبعد المطالبة بمساواة آدم بحواء في وقت باتت فيه ثلاثة أرباع قوى التدريس من الحواءات خاصة لو وفت السلطات بجعل مرتب المعلمين الأعلى كاليابان التي صعدت بزانة التعليم وكذا ماليزيا التي بعث باني نهضتها مهاتير أفواجا شبابية لليابان ليتشربوا إعلاء قيم العمل وعندما تذمر بعضهم من الضغوط توعد بحزم بفصل كل متقاعس. أقول لو!
أرأيتم التعجل في مصير أمة دون تدابير محكمة?!
ثم كيف يتخذ قرار مفصلي كهذا في غياب البرلمان المنتخب والإرادة السياسية النافذة والمساندة الشعبية الواسعة التي عاصرناها في تجارب مماثلة?!
وفق متابعتي ارتكز قرار فصل المرحلة لاثنتين أكثر على أن تعليم التلاميذ في مبنى واحد في أعمار متفاوتة يفتح مجال التنمر والتحرش.
حسنا هل هؤلاء التلاميذ يعيشون معا في قرية واحدة أو في حي واحد ليل نهار أم لا?
وهل في مدارسنا من الضوابط ما يحرس جميعهم أم لا?
أليس لدينا في كل صف مدرسي معلم مرشد يتابع تلاميذه بدقة بل يلم بأوضاع أسرهم ويسوسهم ويرعاهم من كثب تحت قيادة مدير ذي خبرة متراكمة ووكيل مؤهل يعاونه يمسكان بالزمام تعاونهم لجنة شعبية مساندة?
في ظني أن هذا التأويل والتهويل انطباعي وإلا فلتطلعنا وزارة التربية على ما تملك من دراسات حقلية ونتائج إحصائية تشي بتدهور أخلاق أطفالنا مدرسيا بعد رفع سني الدراسة.
هب أن هذا وارد محدود هل هو سنام قضايا التعليم ومربط الفرس?
ألف لا وكلا
لماذا?
في إطار سياسات الاتجاه لمفهوم ” ديمقراطية التعليم ” وإشاعته وتجنب ” الفقد التربوي ” وهو الأدق لا فاقد تربوي تسعى الدول كلها تباعا إلى:
المرحلة الأولى
تعميم التعليم القاعدي
ويرمي لإيجاد مقعد لكل طفل متقدم راغب في التعليم في سن التمدرس 6 سنوات .. اختياري
المرحلة الثانية
إلزامية التعليم الأساس
بتقنين التعليم وتشريع محاسبة كل ولي أمر لا يأتي بأطفاله للمدرسة ومعاقبته قانونا .. إجباري
المرحلة الثالثة
الانصراف للكيف بالاتجاه للتجويد والتجديد والتنويع والابتداع
أين نحن من هذه الغايات?
بكل أسف مازلنا عند سفح المرحلة الأولى فلدينا وفق الإحصاءات نحو 3 ملايين طفل خارج التمدرس يضافون لملايين الراشدين الأميين تباعا بفعل الضغوط الاقتصادية والاحتراب بدل تجفيف منابع الأمية.
لكنا لا نكتفي بهم بل نبتدع ونضيف إليهم مبكرا الراسبين بين مرحلتي الأساس والمتوسط.
ولا يعقل أن ينقل جميع التلاميذ لمرحلة أعلى دون ” مصفاة “!
ورؤيتي أننا إن لم نسارع بإعادة هندسة قطار التعليم المرتبكة عجلاته من حيث الأطر والمضامين بخبراء تربويين متمرسين يواقيت بعيدا عن ساس يسوس فإن قاطرة التعليم لن تصل بالوطن إلى المحطة السامية المنشودة وستنطبق علينا مقولة:
ال يوجعو راسو يربطولو كراعو!
أنور محمدين
تربوي من منازلهم