في الوقت الذي بدأت فيه الكثير من العادات والتقاليد السودانية السمحة تندثر، وفي ظل انتشار موجات متعاظمة من الممارسات السالبة الدخيلة على مجتمعنا، ومع تنامي خطاب الكراهية، و التغييرات الكبيرة التي نشهدها على مستوى النسيج الاجتماعي وقلة الترابط، في خضم كل هذا الواقع الذي تظلله هذه الصورة القاتمة، تبدو هنالك نقطة ضوء في آخر النفق، توحي بأن المجتمع السوداني مازال ينبض بالخير، وما زالت به نماذج إيجابية تعطينا الأمل بأن موروثاتنا الجميلة تلك ما زالت حاضرة و باقية، فبعض الأشياء قد تبدو بسيطة في مظهرها ولكنها كبيرة في معانيها وما تحمله من قيم.
أهالي أحد الأحياء بمنطقة أم عشر جنوبي الخرطوم ، استطاعوا أن يحيو عادة نسيها السودانيون وماعاد أحد يمارسها، ألا وهي عادة تناول الطعام على قارعة الطريق بمعية الجيران والأهل والأصدقاء من أبناء الحي، في أيام الجمعة، حيث يجتمع الكل لتناول وجبة الأفطار سويا في الشارع، وفي يوم السبت تتجدد (اللمة) بشرب شاي الصباح ولكن تبقى الجمعة هي اليوم الأساسي لتجمع سكان الحي، وهي عادة كانت منتشرة في الأقاليم السودانية وتسمى بـ (الضرا)، وبالنسبة لأهالي أم عشر الذين أحيوا هذه العادة، نجد أنها لم تقتصر عليهم فقط، بل وجدوا مشاركين لهم يأتون إليهم من مناطق أخرى للانضمام لهذا الطقس السوداني الجميل.
ويقول المواطن محمد صديق من أهالي منطقة أم عشر في حديثه لـ(التحرير) إن بداية هذه (اللمة) كانت عفوية جدا، حيث أن أخاه الكبير يمتلك دكان لتصليح الأجهزة الإلكترونية وبه سخان شاي، وأصبح الجيران يأتون إليه ويقومون بعمل الشاي عنده والتجمع لتناوله سوية، ومن ثم بدأت (اللمة) تكبر وتوسعت لتصبح وجبة فطور، ويشير محمد إلى أن المؤسسين الأوئل لهذا التجمع هم :(موسى الصديق، الطيب شمو، محمد عثمان شريف، بدر الدين الرشيد).
ويمضي محمد صديق في سرده بأن أهالي الحي باتوا يستخدمون مكان (اللمة) إذا كان أحدهم بصدد عمل كرامة أو ما شابه، مبينا أن تجمعهم الأسبوعي هذا أصبح فرصة لتفقد أحوال الأسر ، وأوضح أنهم في الحي أسسوا جمعية خدمات وأن الأهالي يتناقشون حول أمورها في تلك الجلسة التي تجمعهم، فضلا عن أن الأصدقاء والمعارف من أهل الحي الذين يقيمون خارج البلاد من مغتربين وخلافهم باتوا يتواصلون معهم خلال اليوم الذي يجتمعون فيه، وذلك عبر الوسائط الإلكترونية (فيس بوك) (واتساب) للتعرف على أحوال أهل الحي.
وأ كد محمد صديق أن (اللمة) الأسبوعية تجمع كل الأطياف السودانية ومن كل أنحاء البلاد ، و أنهم يديرون من خلالها أحاديث ونقاشات عن العادات والتقاليد والثقافات المتنوعة لكل واحد منهم، والوجبات الشعبية التي تعكس موروثاتهم الثقافية في مجال الطعام كالعصيدة والقراصة وغيرها من الوجبات السودانية المميزة، مؤكدا أن هذه (اللمة ) كبرت وأصبح هنالك أشخاص يأتون إليهم من مناطق أخرى لمشاركتهم تناول وجبة الأفطار ، وهم في الغالب يكونون من معارف أهل الحي، كزملاء العمل أو الأصدقاء أو الأقارب أو غيرهم من المعارف.
وأشار محمد صديق إلى أنهم من خلال هذا التجمع الأسبوعي، يرسلون رسالة للسودانيين، توضح أهمية التلاحم والتعاضد والتكاتف ونبذ الأمراض الاجتماعية الدخيلة على المجتمع السوداني، و تنبههم لضرورة أن يتوحدوا على كلمة سواء بينهم، لافتا إلى أن هذه اللمة من الممكن أن تكون نموذج يتبع من قبل مناطق أخرى ليحذوا ذات حذوهم.