قال فريد زكريا في برنامجه على السي إن إن إننا نرى عياناً سقوط قناعين في بلاد الاستبداد في الصين وإيران. فتظاهرات الصين أسقطت الكمامة عن وجوه. والرمزية هنا في رفع أثقال القيود التي فرضتها الحكومة الصينية على شعبها لمحاربة وباء الكوفيد. ومع أن التحوط لحرب وباء مثل الكوفيد بركة إلا أنه صار في الصين وصاية على السكان أطلقت به الدولة يدها فيها كما تعودت كأن شعبها حمر مستنفرة لا رأي له في عافيته. أما في إيران فقد حمل حراك التظاهرات حكومة الملالي في أعقاب مقتل الشهيدة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق لتقف هوناً عند قوانينها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما لم يحدث لها طوال سنيها لأربع عقود من الحكم الثيوقراطي المطلق.
قال طالبان أول دخولهم كابول “إن النساء جزء هام في المجتمع نضمن لهن كل حقوقهن في حدود الإسلام”. وكان أول ما فعلوه هو احتلال مبنى وزارة شؤون المرأة وتغيير اسمها إلى “وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. والوزارة بالاسم الأخير معنية بالرجال والنساء معاً بالطبع. ولكن في احتلال هؤلاء المطوعين وزارة للمرأة دون غيرها من مباني الوزارات قول فصل في أن النساء هم مادة الوزارة البديلة لسوقهن للمعروف ولجم منكرهن.
تواضع علم الاجتماع على تشخيص شرطة الأخلاق في مثل إيران كحالة من هوس الدولة تشغب به للسيطرة على الأسرة والجنس. فهي بمثل حب الاستطلاع الفظ الذي في غير محله تلجم في الناس حسهم بالوسع الممكن ي حياتهم ومضمار الحريات الذي لم يطرقوها بعد (سيجد الراغب في تحسين فهم العبارات الواردة في إنجليزيتها نصها في آخر المقال)
وكان قانون النظام العام هو أول ما فكرت الإنقاذ إعادة النظر فيه في أصيلها حين خرجت عليها النساء. وهو قانون مهووس بالفصل بين النساء والرجال حتى خصص للنساء باب في المركبات العامة غير ما خصص للرجال. وعاد بي هذا إلى ما قبل نحو أكثر من قرن حين خصصت السكة الحديد عربة ركاب عنوانها “حريمات” قاصرة على النساء. ولا تحطم شرطة النظام العام الآلات الموسيقية كما تفعل شرطة مثلها في أماكن أخرى. ولكن شرع لها قانونها لما هو غير بعيد عن ذلك. فرهن قيام حفل عرس أو نحوه بتصديق في أماكن أخرى من المحلية وإخطار الشرطة. واشترط إلا يتغنى أحد بالأغان الهابطة وأن يتوقف الغناء بالميكرفون بعد الحادية عشر ليلاً. وللشرطة حق إزالة أي مخالفة في الحفل بما في ذلك إيقافه. ومن حقها كذلك دخول محلات التصفيف للـتأكد ألا مخالفة مما جاءت في القانون تقع فيها. وشمل القانون مواداً عن ممارسة الدجل والشعوذة بجانب ما رأينا عن الفن الغنائي.
لم يكن قانون شرطة النظام العام-الأخلاق بحاجة إلى التشريع عن الزي والحشمة في منظور الإنقاذ لأنه سبق إلى ذلك في القانون الجنائي لعام 1991. فنقرأ المادة 152 (1) منه القائلة:
من يأتي في مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة، أو يتزيأ بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يتجاوز أربعين جلدة، أو بالغرامة، أو بالعقوبتين معاً.
وفرض القانون الحجاب الإسلامي نصاً في القانون حين قرن بين “حشمة” اللباس ودين صاحبه. فتحاكم المرأة في لبسها بلجام شرعها. فبدا القانون مراعياً للتنوع الثقافي ما وسعه في حين تفادى ذكر الحجاب تقية حداثية. قال:
يعد الفعل مخلاً بالآداب العامة إذا كان في معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل، أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل.
ولا نعرف هنا ما زي الرجل في دين الإسلام.
معلوم أن النساء والمعارضة اشتبكت مع قانون النظام العام لسنوات. وحادثة “منطلون لبنى” طبقت الآفاق. وكان اشتباكاً سياسياً وأمام القضاء اضطر البشير ليساوم بالتخلي عن القانون حيال الثورة ضده التي وقودها نساء. ولكن لا أعرف، من الجهة الأخرى، إن كنا اشتبكنا مع الفقه الذي من ورائه. وهو اشتباك مسبوقون فيه. قرأ أهله النص عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قراءة خالفت من سوغوا به إحالته إلى شرطة أخلاق بلا داع.
أعرض في المرة القادمة إلى مقال “شبهات حول شرطة الأخلاق في الإسلام” بقلم مصطفى أكيول في مجلة “نيولاينز” (5 ديسمبر 2022).
• Fixation on the control of family and sexuality
• Restrict people’s sense of possibility and freedom of expansiveness
IbrahimA@missouri.edu