في عام 1992م طرح روبرت كابلان وديفيد نورتن بجامعة هارفارد فكرة إدارية جديدة قديمة أطلق عليها “بطاقة قياس الأداء المتوازن”، وتقوم على ربط رؤية المنظمة بأهدافها الإستراتيجية، بافتراض أن الأهداف يمكن قياسها بمعايير أداء متعارف عليها. ففي علم الإدارة يقال: “ما تستطيع قياسه، تستطيع تحقيقه، وإدارته، والعكس صحيح”.
هكذا أضحى استخدام مؤشرات قياس الأداء من أهم وسائل معرفة أين تقف المنظمة من أهدافها، ومعدل إنتاجيتها، فضلاً عن قياس أداء الأفراد.
ومع الممارسة صارت دقة مؤشرات قياس الأداء في دقة صورة (سيلفي) في هاتف آيفون ذكي، أو في دقة صورة مرآة مصقولة تبيّن الأوضاع، وتكشف التجاعيد، وأي ملامح في الوجه تحتاج إلى إصلاح جذري، أو إلى وضع مكياج يخفي حفر الزمان، ونحته للوجوه.
وبقدر ما تكون دقه المؤشرات يكون التطبيق، وتكون النتائج، والتحسن في أوضاع المنشأة، ويكون النهوض بالأداء والإنتاجية.
ولكي تكون عملية قياس الأداء علمية يشترط أن تتم وفق معايير موضوعيه تستهدف مؤشرات محددة في المنشأة أو المصلحة الحكومية؛ لكي توفر أرقاماً كمية قابلة للقياس، والتحليل، والفهم. ومتى كانت كذلك، فإنها تصلح لقياس الآراء ذات الطابع النوعي، مثل: قياس رضا العامل عن بيئة عمل المنشأة، وقياس وجود روح العمل الجماعي، وقياس قوة فرق العمل، وتماسكها، ومدى الدفع معاً في اتجاه هدف واحد.
أيضاً استخدام المؤشرات لقياس معلومات عن جوانب خارج المنشأة، مثل: رضا العملاء عن منتج، أو عن خدمة، أو في قياس رضا الموردين، أو رضا أصحاب المصلحة من حملة الأسهم والمؤسسين، ودائنين.
على أن عوامل الحكم على علمية مؤشرات قياس الأداء تكمن في استخدام المناهج المجربة. وبطبيعة الحال لابد لمن يضع مؤشرات قياس الأداء أن يدرك أنها تختلف من قطاع إلى آخر، ومن منشأة إلى أخرى، وتختلف أيضاً في المقاصد وفي الأهداف. فقياس الإنتاجية يختلف عن قياس معدل الأرباح، وقياس ثقافة التعامل مع الإنترنت وتوظيف تكنولوجيا المعلومات في العمل يختلف عن قياس استخدام السيولة المتوافرة. ويختلف عنها قياس وجود ثقافة المساءلة والمحاسبة، وهذه تختلف عن قياس مدى استخدام الإدارات المختلفة للمعلومات لاتخاذ القرارات؛ لتحقيق الأهداف المعلنة.
ولا شك أن وضع مؤشرات قياس الأداء ليس بالسهولة التي قد تتبادر إلى ذهن المتلقي، ولكنها أيضا ليست بالصعوبة التي تعجز من لديه قليل من الدربة والخبرة. وتظل الحقيقة متمثلة في أنه متى جرى الربط بين مؤشرات القياس للوحدات التي يُقاس أداؤها بعوامل نجاحها التشغيلية والتطبيقية، فإن ذلك سيوفر قياساً كمياً لمختلف الجوانب الإنتاجية والتشغيلية. على أن القياس الكمي الصحيح كما يقول فريدريك تايلر أهم من أي طرح نظري دقيق، حتى لو قارب في الدقة تطابقه مع الحقيقة.
إن الفكرة من تسويق هذه المفاهيم، النزول بها للقراء والمبادرين، ولإبراز أهميتها في تحقيق الأهداف. أيضاً لمناقشتها بهدف تطوير تطبيقاتها واستخداماتها في حلحلة كثير من المشكلات التي يعانيها القطاعان الخاص والعام في السودان.
ولدى العبد لله انطباع بأن مشكلة إدامة نجاح المنشآت الخاصة في السودان هي مشكلة إدارية إلى حد كبير. وفي جزء منها تتعلق بعدم استيعاب جوانب إدارية، من أهمها توفير مؤشرات قياس أداء للعملية الإنتاجية.
ومن المشكلات الإدارية غياب الممارسة العلمية التي تربط مؤشرات الأداء بمقاييس الإنتاجية، وهذا الأمر جعل الخطط المعلنة غير قابله للقياس أو التطبيق؛ لأنها تسبح في عوالمها الذاتية. يحدث ذلك على الرغم من توافر كليات تدرس نظام المعلومات الإدارية، وفق أسس علمية ومقاييس ومبادئ رصينة، إلا أن استفادة الخريجين تكاد لا تذكر.
من ناحية استخدام التقنية في العملية الإدارية والإنتاجية لا زال يطبعه التخلف، مع أنه صار سمة هذا العصر. فمفهوم الحكومة الإلكترونية قلل التكاليف والوقت، وأثبت جدوى استخدام التقنية في الإدارة والإنتاج، ولكن ما تزال المنشآت السودانية الخاصة والعامة حالها من بعضه، بعيدة إلى حد ما من مواكبة التطور في استخدام تكنولوجيا المعلومات، وتوظيفها في الأداء. وهذا ما ينعكس في صورة تردٍ إداري على القطاعين الخاص والعام، وعلى العملية الإنتاجية.
* محيسي، محمد (1400هـ) ،الإنتاجية في القطاع الحكومي ومعوقاتها في المملكة، ندوة الإنتاجية في القطاع الحكومي ومعوقاتها، 25-28 صفر 1400هـ، معهد الإدارة العامة، الرياض.