من يتوقع إصابة هذا العدد من الثوار وهم يحتفون بيوم عيد ثورتهم المجيدة؟، ماذا لدى أصدقاء الإطار ليقولوه حول هذا العار المتوشح لجبين الإنتقاليين مدنييهم وعسكرييهم؟، هذا العنف المُفرِط الذي ازداد بوتيرة غير مسبوقة يوم أمس يعتبر مؤشر على ما ذهبنا إليه، من أن الإطاريين ما هم إلّا مُسكّن لتخدير جسد الثورة المجيدة وتكبيلها وتثبيطها ومنعها من الانطلاق، هذا التحوّل العنفي الكبير في مسار الحراك الديسمبري المجيد سوف يعيد ترتيب الصف الثوري، ليصفّي الشارع وينقيه من الزائفين، وهو الفاروق الذي يفرق بين حق الثوار وباطل الوصوليين، وتاريخ يوم الأمس – يوم عيد الثورة – الذي خاضت فيه جماهير الشعب الصابر الصادق ملحمة أخرى من ملاحم التلاحم الوطني، يؤرخ لميلاد النسخة الجديدة من الجيل الرابع لرفاق الشهيد المتمسكين بوصايا كشة وعبد العظيم، فلهيب ديسمبر لا يطفأه دخان الهراوات ولا بطش مقذوفات الرصاص، ولو كان ذلك كذلك لما انهزمت ترسانة الدكتاتور الأمنية والعسكرية أمام جحافل الجيل الراكب راس، فالقمع هو الوقود الحيوي المحرّك للغضب الحليم لهذا الشعب الكريم، لو يعلم العسكر الأمنيون والمدنيون الإطاريون، وهذه الأرض منذ انبلاج فجرها ليست حفيّة بالمتآمرين من بنيها، وسيرتها ومسيرتها تؤكد على أنه لم يولد متآمر امتطى ظهرها.
من لا يقرأ التاريخ ومن لم يتصفح أبواب أمهات الكتب الراوية لمواقف بنات الوطن وبنيه، الرافضين للانصياع للعصا الخارجية والجزرة الداخلية، لا يدري شيئاً عن وثبة العُقاب الجارح وصولة الليث الجريح، فالمواقف المؤسفة من بعض الذين وثقت بهم الثورة ممن تركوها وهجروا سوحها، إما بالهروب المباشر أو بالتراخي المهين والاستسلام الجبان المؤدي للذلة والمسكنة، وتغليب الأجندة الأجنبية على الأجندة الوطنية، هذه المواقف التي خدعت الثوار لبعض الوقت لن تستمر في مهزلة الخديعة طوال الوقت، لقد قدمت الجوقة الانتهازية إلى فلول النظام (البائد) مادة جيّدة للتهكم والسخرية ممن لاذ الثوار بهم، من الذين لفظوا الثورة والثوار وركنوا لإشباع الشهوات وملء البطون، من سُحت الرشى المحلية والاسترضاءات الممنوحة من البعثات العابرة للبحار، دون أن يعلموا عتو موج الملايين المزمجرة والراكزة على الأرضية الصلبة العائدة لإرث الأجداد، هذه الأرض دفن تحت ركامها صناديد وجهابذة يشهد لهم تاريخهم العميق والعتيق بالبطولات والملاحم والانتصارات على الغزاة الطامعين، فكما انجبت الخونة والمرتزقة والعملاء، ما عقر رحمها من حمل الصادقين الأوفياء، القابضين على جمر قضيتها يوم عيدها – يوم أمس، وهي مستمرة إلى أن تستكمل بناء ركائزها الثلاث – الحرية والسلام والعدالة.
حريٌ بنا أن يكون لنا العز والفخار في أن يقدم أبناؤنا الصغار نصف ألف جريح في يوم عيد الثورة المجيدة، فما بخلوا بتقديم التضحيات الجسام والنضالات العظام، إنّهم مؤمنين بأن الطريق إلى العدالة والحرية، والسلام المعيد للنازح واللاجيء إلى دياره عزيزاً ومقتصاً له ممن آذاه، لابد وأن يمر بالمنعطفات والمطبات والأشواك وألغام الكيد وفخاخ المكر السيء وظلم ذوي القربى، فجيفارا وشى به راعٍ للأغنام، ففتكت به فلول الطغاة، وغاندي فجّرته امرأة مغرر بها، فانتحرت ونحرت معها أيقونة التسامح والسلام، وتبول على رأس مانديلا بن جلدته حرس الزنزانة، ولم يدري أنه صب نجاسته على رأس محرره الأول، فقيمة جرحى الأمس الذين تخضبت أجسادهم بالدماء الحمراء القانية، ما هي إلّا امتداد لذات القيمة والجودة الأخلاقية للذين سبقوا من الصادقين الشفّافين الرائعين الراحلين، الذين رحلوا أطهار أنقياء روحانيين منفصلين عن البدن مأكول الديدان، بعد أن زهدوا في الاحتفاظ به وهو الزائل، إنّها تراتيبية الأخيار، الذين اصطفاهم المقام الأعلى، من بين ملايين الراجلين على أرصفة المقام الأدنى. فالعلو والسمو لهؤلاء الأخيار الذين رووا بدمهم الغالي التراب الأغلى، فداءً لمستقبل القادمين الصغار القادم، الذي لا يشك في مقدمه من يؤمن بهذه الأرض التي لنا وليست لسوانا.
اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
20 ديسمبر 2022