لا يمكن أن تكون الصحافة أحد عوامل ومعاول تهديم القيم ونشر الجهل والشعوذة ..! وهذا ما أفرد له الفرنسي الكندي “آلان دونو” كتاباً عن نظام التفاهة أو (ثقافة التفاهة) وصفاً لطبيعة السائد الاجتماعي المتمثل في الشخص وحالته من حيث التفاهة والابتذال والسُخف وتواضع المستوى..! وهي حالة جرى اختصارها بمصطلح (ميديوكراسي) وهو تعبير جديد نسبياُ على القاموس (1825) يصف النظام الاجتماعي عندما تكون الطبقة المسيطرة فيه هي طبقة الأشخاص التافهين والجاهلين واصحاب العقم الفكري والعقول الفارغة والنفوس المريضة..وتتم فيه المكافاة على التفاهة والرداءة (عوضاً عن الجدية والجودة)..! وتنتشر حينئذٍ العلاقات الاجتماعية الفاسدة والمحاباة واستخدام اللغة الجوفاء لاستمالة الناس بالأكاذيب والخرافات والوعود الكاذبة..!
إنها حالة يتسم فيها الأقزام المتنفذين أو الجالسين في مقاعد لا تتلاءم مع مؤهلاتهم بالرداءة و(الانحطاط المعياري)..! حيث يسهم هؤلاء (الجهلاء الأفذاذ) بعلمهم وبغيره- في تهشيم منظومة القيم..ويؤدي ظهورهم إلى بروز الأذواق المنحطّة وانقلاب الأولويات بتجاهل الأمور الجسيمة والجري وراء الترّهات..وسيادة ثقافة السوق التي تجعل كل شخص وكل شيء قابلاً للبيع والشراء من اجل المنفعة الشخصية..!! إنها تجسيد للحالة التي حذّر منها “مونتسكيو” رجل القانون والسياسة والأدب وصاحب نظرية (فصل السلطات) الذي كان يدعو بلهجة صارمة إلى ضرورة صون الحرية من الابتذال..!! تحذيراً من دخول (العنقالة) إلى أنشطة المجال العام وابتذالهملمجالات السياسة والإعلام والاقتصاد والتجارة وحقول الأكاديميات والعمل النقابي…إلخ
ماذا يعني أن تتكبّد صحفية أو صحفي مشاق الذهاب إلى سوبا والجلوس إلى شخص ليس له غير الشعوذة المتسلحّة بالجهل..! والذي جعل من نفسه عالماً بالغيب والقران الكريم يقول في خطابه للرسول الخاتم (قُل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني مَلَك…) ولكن بله الغائب (عن الوعي) يعلم الغيب ويتنبأ لنا بمستقبل البرهان وحميدتي ويبشّر بعدم صلاحية الحكم المدني..! فهو علاوة على تطاوله بمعرفة الغيب المحجوب عن الانبياء أولي العزم؛ يضيف الى ذلك معرفته بالعلوم السياسية وأنظمة الحكم..!!لماذا لا تذهب هذه الصحفية لاستاذ علوم سياسية بدلاً من أن تبحث مستقبل السودان على أيدي (دجّال في سوبا)..!!
هذه الصحفية مسكينة لا ذنب لها..فهي ضحية الجهل الذي يعشعش في كثير من الصحف التي تصدر في الخرطوم في هذا الزمن (الميديوكراسي)…!
هل أحق بالأولوية إجراء مقابلات وحواراتحول تنبوءاتشخص غائب..؟ أم حول الموسم الزراعي أو الاشتباكات التي يموت فيها الناس في غرب البلاد أو أوضاع المستشفيات أو الإمداد الكهربائي أو أوضاع معسكرات النازحين بدلاً من هذه (الخزعبلات) التي يتحدث عنها مشعوذ كان قد (جاب خبر جعفر نميري) ثم وعد المخلوع بسنوات اضافية في السلطة وتقاعد مريح..مثلما يفعل الآن مع البرهان..بل إنه يرسم ملامح الفترة الانتقالية وكأنه من بين أعضاء (الآلية الثلاثية) ودول الترويكا..!!
قالت الصحفية في غزلها بشيخها إن له شعبية واسعة..وان نبؤاته صدقت..وأن البعض يقولون أنه كاهن..!! وأنه أجاب على أسئلتها بكل شفافية..! وأنه كشف عن المثير حول الوضع الراهن ومستقبل السودان..!! ثم قالت العبارة الممجوجة (والآن إلى مضابط الحوار)..!!! وكانت اسئلتها لشيخها الغائب من نوع: لماذا هذه الغيبة من الساحة السياسية..؟! كيف تقرأ الوضع الراهن..؟! مَنْ سيأتي رئيساً للوزراء في ظل هذا التنافس الكبير..؟! هل تتوقع عودة البشير للرئاسة مرة أخرى..؟! ماذا تقول لقوى الحرية والتغيير..؟!
حقاً إنها ثقافة التفاهة في أبرز تجلياتها….الله لا كسبكم….!
murtadamore@yahoo.com