أمي يبدو أنها تعرف مقرة معرفة تامة ، ويبدو أن مقرة هذه كانت امرأة جميلة ، فرعاء ، غراء ، مصقول عوارضها ، وإلا لما تمنتها لي ولإخواني من بعدي ، فهي كانت كانت دائما تقول للواحد منّا :
أجي يا يابا ، تحبك مقرة .
وهذه إجابة أمي على كل الأمور التي ترد فيها كلمة ( حب) ،، فإذا قلت أن فلانا يحب زوجته ، أو قلت أنك لا تحب الأكلة الفلانية ، أو إذا سألتها يا أمي إنتي بتحبي أبوي ، فهي سترد فورا وبدون مقدمات وبدون تغيير أو تطوير :
أجي يا يابا تحبك مقرة .
وأكاد أقول آمين ، لأني أعرف أن أمي لا تدعو لي إلا بالخير ، ولا تتمنى لي إلا كل جميل ،، وفي فترة مراهقتي كنت أتمنى أن ألتقي بمقرة في أحلامي ، أو أقابلها في الشارع أو أراها وهي تمشي فوق ظهر الترعة لتملأ جردلها بالماء العكر ، أو أجدها تجني القطن في حواشتنا مع فتيات القرية ،، لكني يوما لم أصادفها ،، ثم تغيب مقرة عن ذاكرتي إلى أن أعود فأحدث أمي عن الحب مرة أخرى ، فأسمع منها اسم مقرة من جديد،، وغالبا ما تتبعه أمي بضحكة ،،
وفي تاريخ زواجي ويوم العزومة ضبطتني أمي غارقا في سرحة طويلة ، فسألتني :
أجي ، مالك يا يابا ؟؟
قلت لها أنني أفكر بزوجتي ، لأنني أشتاق إليها وأحبها ،،
فقالت أمي فورا :
أجي يا يابا ، تحبك مقرة ..
فاستغربت كيف تدعو عليّ أمي بهذا الدعاء وهي تعرف أنني قاب قوسين أو أدنى من الدخول بحبيبتي التي تنتظرني وأنتظرها ،، فتساءلت هل أمي ليست موافقة على زواجي ، ، لكنها بدت فرحة ومبسوطة وسعيدة بهذا الزواج ، وأعجبها اختياري ،،
ثم تزوجت وأنجبت وذهبت في إجازة ، وكنا نجلس ذات يوم أنا وأمي وأخوتي وزوجتي وطفلتي ،، وكان يتوسطنا كانون القهوة ، لكني لم أكن أشارك الباقين شرب هذه القهوة لأنني كنت قد هجرتها مع هجراني لبعض ما يرتبط بها، لكن أمي أصرت عليّ أن أشاركهم بفنجان واحد ، ولما استجبت لها ، سألتني :
يا ولدي كنت بتريد القهوة دي ، هسي بقيت ما بتريدا ، مالك ؟
قلت لها والله يا حاجة ما بحبها .
فقالت على الفور :
أجي يايابا ، تحبك مقرة ،،
فاستغربت قولها هذه المرة ولاحظت أن زوجتي قد تقطب جبينها بالرغم من أنها كانت تحاول التماسك ،، وتساءلت كيف تدعو لي أمي بحب امرأة أخرى وزوجتي جالسة بين الجالسين ،،
وتدخلت أختي الصغرى وهي لم تتزوج بعد ، ولم تشهدني أشرب القهوة أبدا لأنني هجرت القهوة حين كانت أختي هذه صغيرة لا تعي شرب القهوة ولا ما ارتبط بها ، فقالت أختي :
يمة محمد أخوي ده من زمان ما بحب القهوة .
فردت أمي :
اسكتي يا شافعة ، تحبك مقرة .
فضحكنا جميعا حين اكتشفنا في لحظة واحدة أن أمي لديها حساسية عالية تجاه كلمة ( الحب ) وأنها تفضل كلمة ( ريدة) وتعتبر الحب قلة أدب ، أما الريدة فهي بريئة ..