لفت نظرنا الصديق “كمال الجزولي” في روزنامته الغراء الفرعاء إلى أن مواطناً هولندياً يحمل في حقل الإعلام اسمه إيميلي راتيلباند (69 عاماً) رفع عريضة للقضاء في بلاده يطالب بالموافقة على تصغير سنه بمقدار (عشرين عاماً) وتحرير شهادة ميلاد جديدة له وفق هذا الطلب..! وقال الرجل إنه يستند في دعواه على ما هو متاح قانوناً للشخص بتغيير إسمه وجنسه…! وكان منطق هذا الرجل من تصغير عمره لعقدين من الزمان بأنه يريد أن يتفادى (التمييز ضد كبار السن) وأن يكون أكثر جاذبية للجنس الآخر وألا يتم إهمال الرد عليه في (مواقع المواعدة)..! كما أن العمر الأصغر يعزّز من فرصه في العمل..!
بطبيعة الحال تم رفض الطلب وقالت المحكمة أن تغيير الهوية العمرية تترتب عليه تعقيدات قانونية واجتماعية مثل الحق في الاقتراع ومثل لوائح التأمين الصحي وفئات المعاش وقيادة السيارات وشرب الكحول..كما أنه يخلق فجوة في السجلات وعقود الزواج ومسؤولية الأبناء..ويفتح الباب لمن يريدون تصغير سنهم..إالخ ولكن كل ذلك لم يمنع الرجل من السعي هو ومحاميه لاستئناف الحكم..وتلك قصة أخرى…!
خطر في ذهني انه ينبغي على الهيئات المختصة في السودان أن تقوم رسمياً بإلغاء (ثلاثينية الإنقاذ) من تاريخ السودان ومن دواوين الخدمة المدنية ومن أرشيف الدولة (ولا تقل لي أن هذا العهد بما فيه من “لميم ورميم” هو جزء من تاريخ السودان..!) لقد أكلت تلك السنوات السوداء من أعمار السودانيين ومن حياة الوطن فلا تلتقي بأحد من الناس نساء ورجالاً إلا وتجده يستعجب كيف تكون هذه الثلاثين المجلّلة بالهباب و(السجم والرماد) محسوبة من عمره..؟!
لم يتعيّن على أي سوداني أن يهنأ بعيش ولو ليوم واحد طوال هذا السنوات الغبراء..سواء كان من الميسورين أو المعدمين المساتير أو كان من الدرجة الوسطى..! وأوشكت أن أهيب بنخبة من المحامين والحقوقيين أن يتبنّوا هذا الطلب بإلغاء ثلاثينية الإنقاذ من أعمار السودانيين إلا أنني وقفت على صعوبة تجاوب القوانين مع هذا الطلب المشروع خاصة وان أجهزتنا العدلية والقضائية (ما شاء الله) تفرج عن القتلة واللصوص وتعتقل الأحرار والأبرياء..فعدلت عن هذا المطالبة إلي وجهة أخرى..!!
الوجهة الأخرى تقول بما انه لا يجوز عرفاً وقانوناً شطب السنوات من أعمار البشر..فليكن الاتجاه نحو مسح سنوات الإنقاذ وتركتها الباطلة العاطلة من الحياة السودانية..! وذلك بشطب أن المخلوع كان رئيساً لجمهورية السودان (هذا والله غير معقول) ومسح صور كل الذين استوزروا في عهد الإنقاذ من الأرشيف الوطني وسجلات الخدمة المدنية، وكذلك كل الذين تولوا سياسياً المناصب السيادية والبرلمانية والدبلوماسية..وكل رؤساء القضاة ورؤساء النيابات ومديري الشرطة وقادة الجيش في عهدها؛ وإلغاء كل القوانين والمراسيم التي صدرت عن الإنقاذ..ومسح أسماء كل الضباط والمدنيين الذين شكلوا مجلس قيادة انقلاب الإنقاذ وتربّعوا في القصر الجمهوري….وإلغاء كل المليشيات والكتائب والمؤسسات والهيئات التي أقامتها الإنقاذ وما زالت تعمل حتى الآن مثل هيئة علماء السودان (التي ليس فيها عالم واحد في أي تخصص) وهيئة الرقابة الشرعية على المصارف و(قناة طيبة) ومنظمات المجتمع المدني الإنقاذية المشبوهة التي لا تزال تنفق على أفرادها من أموال الدولة المنهوبة..والمراكز البحثية والقاعات التي تأسست بأسماء زيد وعبيد ممن ليس لهم (في الثور ولا الطحين) وأيضاً الذين وضعت أسماءهم على الشوارع والميادين وهم أحق بمحاكمتهم بجرائم جنائية جسيمة..! وإلغاء كل الشهادات العلمية والأوسمة التي مُنحت للجهلة والادعاء ولكل معتوه و(فرطوق)..! كما لا بد من كنس أكثر مخلفات الإنقاذ كارثية..وهو انقلاب البرهان..!
طبعاً هناك العديد من آثار الإنقاذ القبيحة الشاخصة التي تركوها خلفهم والتي ينبغي مسحها من حياة السودانيين..ولكن من الأهمية بمكان إقامة (متحف بيوت الأشباح) في أكثر هذه المواقع الإجرامية شهرة..حتى تظل دليلاً دامغاً على خزي هذا العهد الأسود…وحتى يعلم الناس المدى الذي بلغته نفسية الإجرام وأساليب التعذيب الجهنمية التي لم تخطر على بال النازية ووقائع القتل والاغتصاب ودفن الأحياء..فبغير ذلك لن يتعافى الوطن..ولن يتعافي الذين ساقتهم آليات الإجرام إلى هذه البيوت..ولن يتعافي ذووهم.. ولن تتعافى الذاكرة الوطنية..ولن ترتاح عظام من سحلهوا فيها..!
هل في هذا المطلب ما يجعل تنفيذه خروجاً على القانون,, الله لا كسّب الإنقاذ وهذا الانقلاب الذي سار على دربها الدموي وسُنتها الآثمة المقبوحة….!
murtadamore@yahoo.com