1
تابعت قبل أيام الفنانة الشابة هالة عمر تغني في مسرح حاشد في جوبا في احتفالات الكريسماس وسط تجاوب طاغ ثم شاركتها فنانة جنوبية في قصيدة أنا سوداني فضج الجمهور وتعانقت الفنانتان في مشهد مؤثر.
يأتي هذا في سياق زيارات مكوكية لفناني الشمال بدءا بالعملاق وردي ما يشي بوحدة المشاعر الدفاقة.
في ملتقى آخر سعدت بوقائع رحلة ترفيهية تضم عائلات جنوبية تقضي يوما جميلا على شط النيل قرب جوبا .. كانت أغاني مطربي الشمال تنساب والجمع يردد مقاطعها ويتمايل طربا.
2
جنوبية نشأت في حي مايو بالخرطوم غادرت مع أسرتها إلى مصر وهي صبية ثم استقرت في أستراليا تحكي في كل رسائلها المصورة من قارة الكانجرو وقائع طفولتها والأبواب المشرعة وتداخل الجيران والتشارك في المناسبات بعاطفة مشبوبة بتمني الزيارة واستعادة ذكريات الماضي والتقاء الجيران وتقول إن الانفصال سياسي لكنا كشعب لا فاصل بيننا ولا جفوة.
يزور هذه الفترة يوتيوبر شمالي يطوف أركان الدنيا مواقع قبيلة باري حول جوبا المنشأة على ديارهم وكذا مضارب قبيلة المنداري في تركاكا وسط قطعان آلاف الأبقار ورعاتها وظل التفاهم ب ” عربي جوبا ” الذي يكاد يرقى لمستوى اللسان المشترك بين مجمل القبائل.
تركاكا التي أنشد لها وردي:
من نخلاتك يا حلفا للغابات ورا تركاكا
من دارفور الحرة نبيلة لكل قبيلة على التاكا
3
وبعد:
هنا مجمل مرئياتي الشخصية في شأن شطري السودان:
..كان مهر الانفصال نهرا من الدماء النفيسة على الجانبين وهدرا اقتصاديا جراء الحرب التي اندلعت قبيل الاستقلال وتتابعت زهاء نصف قرن والعودة للوحدة مطمح نائي المنال.
.. مطلوب صيغة تكاملية تنسيقية ناجزة تمتص الاحتقانات وتدفع بالإيجابيات’ التي قد تتطور لكونفيدرالية مستقبلا إن تعززت الثقة وانتصرت المصلحة المشتركة على شبح الماضي.
.. تسوية قضية الحدود بما فيها ملف أبيي بصورة عادلة.
.. الدفع بالمشروع الذي تتبناه مصر الخاص بإنشاء خط ملاحي حديث فاعل يربط الإسكندرية بدول منابع النيل المتشاطئة لما يحققه من منافع شبكية مثل زيادة التدفق المائي بشق المستنقعات والسياحة والتبادل السلعي والنقل وتقديم الخدمات للمسافرين .. إلخ
.. التعجيل بإلزامية مجدولة لبطاقات الهوية ” الرقم الوطني” لتقييد المواطنة وجعلها أداة تصويت انتخابية مع مراجعتها الدقيقة لصعوبة ضبط الحدود الشاسعة التي ينهمر منها ملايين الوافدين من كل دول الجوار دون ” فرامل ” وهم من مسببات تردي أوضاعنا فالهجرة الإفريقية الاستيطانية الشرسة قنبلة موقوتة وها هم يدعون المواطنة ويلوحون حتى باستخدام القوة ” الجواب باين من عنوانه ” ومن يرى رأس أسد يتحسب فورا لأن من الغباء انتظار كامله’ وكل هؤلاء يجب أن يستخرجوا بطاقات إقامة أو يغادروا.
.. ترتيب اندياح الرعاة الموسمي بمواشيهم عبر الحدود دون كوابح ورسوم باهظة ما يتسق مع قرار منظمة إيقاد القاضي بالسماح للرعاة بالتجوال عبر دولها.
.. تغيير اسم السودان لما يسببه من التباس ينجم عن الاسم المشترك ليعتمد في الدستور الدائم والسودان اسم حديث أسبغ في مطالع القرن التاسع عشر ويصب معناه العربي في سواد البشرة وينطوي معناه النوبي على اللون الخليط الأسمر وكلاهما يسودان كل إفريقيا جنوب الصحراء وليسا حصرا علينا.
لكنا نعتز بلوننا رغم تشبث النواعم باصطباغ البياض ونردد مع شاعرتنا المبدعة روضة الحاج:
آتيكِ ألبس سمرتي أزهو بها
فأنا المزيجُ .. الزنجُ والأعرابُ
إفريقيا شمسٌ تُضيء ملامحي
وعروبتي هذا الدمُ الصخَّابُ
كثير من الدول تغير أسماءها مثل بورما إلى ميانمار .. سيلان إلى سريلانكا وحتى في قارتنا زائير إلى الكنغو الديمقراطية والحبشة إلى أثيوبيا حديثا في الأربعينيات .. وهكذا.
وأقترح اسم النيلين بحسبان النيل أكبر معلم جغرافي ولما يجنيه كل السودان من فوائده المباشرة وغير المباشرة مثل إنتاج مشروع الجزيرة الذي يصل الجميع وانتفاع أهل العاصمة وهم من كل البقاع حتى بلغ تعدادها 15 مليونا وهو ما يفيض على ثلث سكان البلاد’ فضلا عن القاطنين في المدائن والقرى النيلية الأخرى.
أقول ” أقترح ” فالأفكار مشاتل الغد وقناديله.
هذا إسهامي
وعند غيري الأصوب.
الانحناءة ليك يا وطن
أنور محمدين