الحياة مسيرتها طويلة وشاقة ولكن بوجود الأم تذلل كل صعابها لأنها هي مفتاح النجاح والعمل الدؤوب لتقدم للمجتمع حلة زاهية ولوحات مضئية، هذه هي مهمتها الأكبر والأبرز في الحياة .. فقد وهبت الأم ألقاب كثيرة على المستويات الدينية والمجتمعية والأسرية فهي تحت أقدامها الجنة وهي ربة البيت الأسمى والمعلم الأول والأخير للأسرة ومدبرة لأمورها. وبعد هذه المقدمة أود في هذه القطعة النثرية المرثية أن أذكر ما عرفته وعايشته ولامسته من مآثر وصفات ومحطات حياتية للوالدة آسيا حامد سليمان السباعي، أنها قصة أم نموذجا للوفاء الأسري فهي صاحب فضل كبير بإجادة دورها كأم في بيتها فقد سجلت قصة كفاح فريدة لتقود مسيرة حياة أسرية طويلة مع زوجها الوالد الخال التجاني محمود في كل رحلاته العملية في المناطق الريفية والبقاع الحضرية باعتباره من أوائل الرواد الذين التحقوا بالقطاع الصحي في السودان، فكانت معه في هذا الترحال الصعب والشاق في زمن الشدة، حيث لا توجد طرق معبدة ولا مشيدة ولا وسائل نقل مريحة وانا أتذكر ذلك في مناطق زرتها لهم في الهشابة ومعتوق وأخيرا في مدينة الأبيض عروس الرمال حيث كنا نشد الرحال في إجازة مدرسية، فقد قدمت نموذجا في التربية والرعاية في أنجبت مرتضي الذي سافر كثيرا من أجل رحلة التعليم في بقاع السودان وخارجه حتى وصل إلى رومانيا لاكمال تعليمه الجامعي فعاد مهندسا زراعيا وانخرط في فيافي الغربة ودوربها في ليكون مثالا للإنسان الذي يبحث عن تكوين نفسه وذاته بمقدراته الشخصية العملية، كما قدم لنا نموذج آخر من نوعية تربيتها أبنها محمد المرضي الذي يعد مثالا حيا للتفوق الأكاديمي من الصغر حتى تخرج بأعلى الدرجات من جامعة الخرطوم واستمر على هذا المنوال فكان شخصا يشار إليه بالبنان في الحياة العملية والمهنية فسجل ورسم لنفسه لوحة وظيفية منحته لقب أميز الشخصيات السودانية الإدارية وتشهد له كثير من المواقف داخل السودان وخارجه، فكان فلتة في زمانه ووسط إقرانه لتسلط عليه الأضواء بكل أنوارها وإعلامها. ومشى على دربه شقيقه الأصغر وساعده الأيمن محمد الأمين الذي شق طريق العلم والنور في مصر الحبيبة وعاد بشهادته العلمية في تخصص التجارة ليخوض تجربة فريدة في القطاع الخاص والعمل الاستثماري العام وترسي به سفينة العمل ببناء أفضل نموذج واستثمار إعلامي لم يشهده السودان من قبل وقدم من خلال عمله الفريدة نماذج متنوعة في هذا المجال بكل ما يعرفه الإعلام من نشاطات مختلفة.
ونعود إلى مسيرة الحاجة آسيا التربوية وهي تساعد زوجها ليقودا سفينة تربوية كبيرة كل في مجال مهامه واختصاصه فصنعت من الابن محمود معلما تربويا ناحجا ومخلصا في سلك العلم والنور وألتحق بحقل التعليم ، مستفيدا من تجربة أخيه الأكبر محمد الفاتح التجاني الذي يعد خبيرا تربويا والنهج التعليمي وهذا الفاتح المعلم الفريدة تربي تحت رعاية وكنف الحاجة آسيا عقب وفاته والدته وكان الجميع يعتقد أن محمد الفاتح هو أخ شقيق لأخوانه ولكن لدور الحاجة آسيا التربوي الجميل والحنون اخفى كل هذه الحواجز الاجتماعية فكانت تعامله حقيقة مثل أخوانه وعاش بينهم بالفعل شقيق أكبر دون فرز ولا فوارق تربوية، وعند الصغر وبحكم العلاقة الحميمة كان نفهم ويخيل لنا أن الأستاذ/ محمد الفاتح هو الشقيق الأكبر لاخوانه وليس ابن خديجة الكروني زوجة الخال التجاني الأولى حيث ولد أبنها الفاتح في منطقة أبو ركبة. أما لبنى ورباب فكانتا الفاكهة الناضجة لتربية الحاجة آسيا في كل التعاملات المجتمعية وسارتا بنهج حميد لدرب والدتهما بدليل النجاح اللذان حققتهما في منزلهما. فالأخت لبنى كان لها الفضل والشق المميز في بقاء الحاجة آسيا معها في منزلها ورعتها حقت رعاية مثل رعايتها لها في طفولتها. هذه صفات ونقاط بسيطة في محطة الحاجة آسيا في الحياة فهي بحق أم للجميع كانت تعاملها مثل أبنائها فقد عشنا في بيتها في الحي الثامن ومدينة الأبيض فقد حملت هذه المواقع الجغرافية ذكريات جميلة مازالت نتذكرها وهي باقية وعاقلة في عقولنا ما بقينا في هذه الحياة .. رحم الله الوالدة الحنونة الحاجة آسيا حامد السباعي وغفر لها .. أنها رحم كبير وعميق احتضتنا سنين عديدة وبكل واسعة ومحبة ورحمة.