ليس من الحكمة أن يمسك أحدهم ببندقية أو “دانة” مهددا بهما إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه. هذا السلوك خبرناه من قبل .. فكانت نتائجه تناسل المسلحين الذين نبحث الآن عن معالجة للوضع الذي أفرزوه.
أي تلويح بالسلاح سيأخذه الآخرون بمحمل الجد، ولن تكون ردة فعلهم رفع الرايات البيضاء بأي حال من الأحوال. كما أن ردة الفعل المضادة قد تأتي من داخل دائرة الأمان لأولئك الملوحين، ومن يقرأ الوقائع والتاريخ القريب والبعيد يدرك ذلك.
كذلك تؤدي هذه التلويحات إلى تسميم الأجواء السياسية وإعطاء ترياق الحياة للتشرذم والتحشيد خلف القبيلة والعنصر والجهة، فتتوارى المعرفة البدهية بأن أي اتفاقية أو مبادرة أو إطار لا بد أن تشوبه نواقص، لأنه جهد بشري .. يسهل البناء عليه أو تعديل إعوجاجه بدلا من هدمه من الأساس، فإذا سادت روح الهدم فلن يكون هناك بناء.
السودانيون يحترمون رموز المجتمعات في مدنهم وأقاليمهم وقراهم، وهؤلاء الرموز لم يكتسبوا مكانتهم الاجتماعية بما يحملون من بنادق وذخائر، بل بما يضيفون من أمان مجتمعي مستندين على الحكمة والسخاء ونفاذ البصيرة والرؤية الشمولية والقدرة على اكتساب الثقة والإنفاق مما حباهم الله.
الوطن الآن أحوج ما يكون إلى اللغة العاقلة، فالحرب أولها كلام .. فإن كان أهل المنابر يريدون بالفعل وطنا سالما موحدا فليخضعوا كلامهم لميزان المصلحة الوطنية .. كما أن وضع الشروط المستحيلة وسيلة حادة لتجريف طرق الحوار وإغلاقها.. فلا العقل يمكنه تصور الإذعان للمستحيلات .. ولا عاقل يستطيع أن يفهم ضرورة أن يجلس (كل) السودانيين في طاولة واحدة للنقاش ..فكيف يجلس ال (كل) في ساحة تتكاثر فيها انقسامات الرأي كل لحظة بطريقة تحسدها عليها الأميبا ؟!
ثمة طريقان لسلامة السودان من آلام لا نريدها .. فإما التراضي على حد أدنى من القواسم المشتركة للسير بالبلاد حتى الانتخابات .. وإما التفريق بإحسان كما حدث لجسد الوطن من قبل .. بلا تهديد أو وعيد.
وكفى الله المؤمنين القتال.