الجدول دا يا أبوي عالي ، ما بيشرب إلا بالناكوس ، خلينا نحفر ليهو ناكوس من أبوعشرين الوراني ده عشان نسقيهو بيهو .
يستجيب دفع الله لاقتراح ابنه ابوعاقلة ، ويستأذن يوسف ابن عمه في حفر الناكوس من جهة حواشته ،، ويشرع الأب وابنه سويا في عملية حفر الناكوس ..
يابا خلينا نسرع شوية قبل الواطا ما تحر علينا ، عشان الكوريق دا كان الواطا حرّت تاني ما بتمسك لينا.
عاد يا ولدي نسابق الشمس ؟ هسة دي الواطا حرّت ، بس نسوي شنو ؟ أمر الله وبقى علينا …
الأرض هنا صلبة ، فقد سارت فوقها آلاف الأقدام والحوافر والأظلاف والعجلات ، فثبتت وكأنها مكسية ببلاط أسمنتي ، مما جعلها تقاوم بعناد ضربات معولي دفع الله وابنه أبوعاقلة ، والشمس العنيدة تسلط عليهما أشعتها بصورة مباشرة ، وبلا رحمة ، كما لو أن بينها وبينهما ثأر لا ينتهي ، فيسيل العرق من جسديهما وتتساقط حباته على أرضية الشارع الفاصل بين أبو عشرين ( الوراني ) و( التقنت الحربي ) .. هذه أول مرة يزرعان فيها هذه الحواشة ، فقد كانت من قبل من نصيب الرّيح ، وهو لم يكن مطلقا يهتم بحواشته ناهيك عن أن يهتم بسقيا هذا الجزء من الحواشة او أي تفاصيل أخرى . لكن دفع الله لا يعرف عملا غير حواشته ، وليس له مصدر دخل غيرها ، ولابد له من زراعة كل شبر منها .
الريّح الله يهديهو مو سائل في حواشة ، ولا هو زول زرعة وحشّة ..
والله يابا عمي الريح زاتو يمكن ماشاف الحواشة دي بي عينو ، بس مخلّيها لي بناتو وأمهم ..
الله يهديو يا ولدي ، من قام هو زول سوق ، بس سوقاً ما جاب ليهو فائدة ..
يجلس دفع الله إلى جانب الجدول الكبير ( أبوعشرين ) ، ليستريح قليلا ، وهو يراقب الماء منحدرا في مسيرته الأبدية متجها إلى آخر ( النمرة ) وبعض حبات عرقه تتساقط من جبينه فتختلط بماء الجدول . أرسل دفع الله بصره إلى صفحة ماء الجدول ، تراءى له الماء أزرق نقيا ، تتخلل زرقته أسماك صغيرة لا تقوى على السباحة إلا في اتجاه التيار ، وتراءت له صورة التاية ، بنت عمه الطريفي ، وزوجته السابقة ، وام ابنه أبوعاقلة . تذكرها دفع الله فجأة وتذكر أيامه معها ، وتذكر كيف دخل عليها ، حين زفّتها له صويحباتها ، وعاش معها ستة أشهر حملت أثناءها بابنهما أبوعاقلة . كانت التاية وسيمة وكريمة ، فقد كان أبوها ثريا وكريما ووسيما ، وكانت هي وحيدته ، وقد أقسم أن لا يزوجها إلا لابن أخيه الذي رباه بعد وفاة أمه وأبيه . كانت تلك أحلى أيام العمر . تذكر دفع الله كيف فارق التاية في ذلك اليوم الكئيب حين جاءت تلك المرأة من قرية بعيدة لتقسم بأغلظ الإيمان أنها تعلم أن أم دفع الله عليها رحمة الله قد أرضعت التاية مع دفع الله من ثديها ، فقال الشيخ بضرورة التفريق بين التاية ودفع الله باعتبارهما أخوين من الرضاع . تذكر دفع الله حزنه يوم ذاك حين زفّت التاية إلى زوج جديد ، وزفّ هو إلى زوجته الجديدة .
السقاية بالناكوس ليست فكرة جيدة ، هي تماما كالزواج بالناكوس .
هكذا تكونت هذه الفكرة في رأس دفع الله ، دون ان يعلم تماما كيف قفزت إلى ذهنه ، وكيف تمّ له الربط بين زواجه من التاية وحفره للناكوس .
التفت دفع الله فجأة إلى ابنه أبوعاقلة ، فوجده منهمكا في حفر الناكوس . فقام إليه وأمسك بيده ، قائلا :
أقيف يا زول ، أقيف ، الشغل دا مو سمح ، ولا هو شغل خير .
شنو يا أبوي الماهو شغل خير .
الناكوس يا ولدي ،، الناكوس ، الناكوس دا ما فيهو خير ، دا شغلا ماهو دايم ..
بس يا أبوي الجدول ده عالي وما بيشرب إلا بالناكوس .
خليهو ، إن شاء الله عمرو ما شرب ..
وفي الموسم الجديد استأجر دفع الله جرارا زراعيا ، وقام بتسوية الأرض في حواشته ، فأصبحت تتقبل السقيا من اتجاه واحد .