في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وبعد أن انتهيت من تدريب فترة الامتياز… صادفت تلك الفترة مرض ووفاة الوالد رحمه الله وغفر له… توجهت للبلد لتعزية ومواساة الوالدة (غفر الله لها) ولتقبل العزاء من الأهل… مكثت في البلد قرابة الشهرين.
ذات صباح من صباحات ذاك الشتاء القارس برده، ونحن جلوس في ضل الضحى نرتشف شاى الضحى بالحليب، ومعه بليلة اللوبيا ( الارجي) توقف لوري عمنا احمد عثمان نقاش عند باب منزلنا العامر… ترجل العم نقاش وقام بواجب التعزية، ولاحظت عليه الاستعجال والارتباك…
فسألته : خير يا أبو سمير؟
ورجوته بأن يتفضل ويشرب الشاي… ولكنه لم يطاوعني في الجلوس، وطلب مني أن البس وأذهب معهم إلى المستشفى، وقال : على متن اللوري امرأة (زوجة) تعاني من نزيف حاد…كان على علم بأن طبيب مستشفى عبري غير موجود، وكنت أعلم أن الطبيب في مأمورية خارج المنطقة.
سريعا وعلى عجل لبست ما تيسر لي من لبس (افرنجي)، وجلست في المقعد الأمامي، على يسار عمنا أحمد نقاش وتحركنا صوب مدينة عبري جنوباً ..
ونحن في الطريق جمعت معلومات عن التاريخ المرضي للمريضة، وتبين من المعلومات أنها تعاني من إجهاض غير مكتمل.
وصلنا مستشفى عبري نحوالعاشرة والنصف صباحاً، ووجدت كوكبة نيرة من طاقم التمريض، والمساعدين الطبيين أقف لهم (عندما تذكر أسماؤهم) تبجيلاً وإجلالاً. كانوا أكفاء في كل مجالات الطب علماً وخبرة، اذكر منهم الخيلان والأعمام محمد سعيد عبيدي… سمير محمد ابايزيد.. أنور عبد الرحيم… ماهر علي أحمد.. خليل علي خليل.. كامل سيد جبر ومحمد راشد، ومن الممرضات سعيدة وعائشة وفاطمة حسن، وآخرون وأخريات رحم الله وغفر لمن رحل وأطال العمر ومنح الصحة لمن بقي على قيد الحياة…
في لحظات جهزوا المريضة للفحص والكشف في غرفة خاصة.. وبعد إجراء الكشف تأكدت أن الحالة إجهاض غير مكتمل… ولكي يتم وقف النزف لابد من اكتمال الإجهاض، ولكي يتم ذلك لابد من استعمال حقن معينة كطلق اصطناعي لإفراغ الرحم من كل باقي الجنين والمشيمة.
طلبت من الطاقم ايجاد كمية من تلك الامبولات.
قال لي أحد الخيلان إن العلاج غير موجود، ولكنه استدرك وقال بأنه توجد كمية من الدواء ابعدوه منذ فترة بسبب انتهاء تاريخ صلاحيته، ولم يؤمن البديل رغم الطلبيات المتكررة.
عندما احضروا الأمبولات وجدتها منتهية قبل أكثر من سنة…حينها فكرت كثيراً ثم تذكرت قول الله تعالى: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173) وكان دافعاً لي لاستعمال ذاك الدواء…
كنت قلقاً جداً من استعماله، ولم يكن قلقي خوفاً من أن الدواء ربما يضر بالمريضة، ولكن خوفي كان من ألا ينفع ولا يأتي بالفائدة المرجوة…
وبحمد الله حدث ما كنت لا أتوقعه من السرعة في الاستجابة، فخلال أقل من ساعة بشرتني الممرضة بأن المريضة بدأت تتألم من تقلصات وانقباضات الرحم.
وبحمد الله، وفي خلال ثلاث ساعات تم اكتمال الإجهاض، ونزل كل باقي الجنين والمشيمة، وبعد ذلك توقف النزيف تماماً…. وكان الدواء منتهي التاريخ ولم تنته صلاحيته…
لا أدعو إلى استعمال أدوية منتهية تاريخ صلاحيتها، ولا استعمال مواد غذائية، الا بعد التأكد من تاريخ صلاحيتها… وأنصح كل أحبتي بعدم استعمال أي دواء الا بوصفة طبية من طبيب معتمد، على أن يصرفها صيدلي معتمد، والطبيب والصيدلي مكملان لبعضهما….
ما دعاني لإذاعة هذا السر الذي ظل دفيناً ما يقارب الثلاثة عقود ونصف أن صديقاً عزيزاً أرسل لي بالامس الفيديو المرفق للافتاء فيه، وانا أحول الفيديو للأخوة الصيادلة والمختصين في علم الأدوية والكيماويات، وكل من له دراية بذلك…. ولكل الأصدقاء والصديقات التعليق برأيه…
ولكم جميعا مودتي