استضافت إمارة دبي في منتصف فبراير 2023 الماضي القمة العالمية للحكومات التي تنظمها مؤسسة القمة العالمية للحكومات بالشراكة مع جائزة أفضل وزير في العالم، بالاشتراك مع شركة “برايس ووتر هاوس كوبرز” الشرق الأوسط. وتهدف القمة، للتعريف بأفضل النماذج العالمية الرائدة في الحوكمة الرشيدة، ادوار الوزراء في تطوير منظومة الفرص المستقبلية، والحلول المبتكرة للتحديات العالمية، والاحتفاء بإنجازاتها الاستثنائية.
والجائزة بهذا الفهم نوعية من حيث الاعتراف بالنجاح ومن حيث مضامينها الإنسانية ونتائجها في تقديم جائزة لأفضل وزير في العالم. هذه المنصة ايا تكن ، شجعت قادة ووزراء من قارات العالم للاهتمام بالمستقبل بتشجيع المبادرات الفردية والابداع والاختراع وإلهام الشعوب واستثارة تفكيرها نحو مستقبل أفضل من حاضرها.
على ان قمة فبراير الماضي رأت أن وزير التعليم الأساسي والثانوي في جمهورية سيراليون واسمه ديفيد سينقيه يستحق الجائزة السنوية للمنظمة ، باعتباره أول مسئول تولى منصب “مسؤول الابتكار الأول” في سيراليون .ووجد المحكمون أن السيد ديفيد سينقيه أصاب توفيقًا مدهشًا في تطوير وتطبيق خطة طوارئ ناجحة خلال جائحة “كوفيد–19” بحيث وفر هذا الوزير دعمًا نفسيًا وتربويًا لأكثر من ألف طالب وطالبة من أصحاب الهمم ، في السودان يسمونهم (المعاقين) وأرجو أن يتم العمل على تبديل الاسم.
الوزير ديفيد سينقيه كون أكبر صندوق من نوعه عالمياً لدعم مخرجات التعليم وهدف للوصول إلى 134 ألف طالب وطالبة في 325 مدرسة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ومبرر الوزير أن عالم اليوم يشهد تحولات هائلة تستلزم من أي دولة استعداد استباقي ببناء قدرات بشرية وتطوير نماذج عمل تناسب متطلبات المستقبل. ولعل من أهم ما ميز جهود السيد ديفيد أنه أشرف بنفسه على تصميم وتطبيق مشروع التعليم الدامج لأصحاب الهمم وغيرهم من الطلاب من الفئات الاجتماعية الأقل حظاً .
والشيء بالشيء يذكر، كنت قد أعددت ورقة عن معدلات الفقر في السودان وعلاقتها بتسرب الطلاب من التعليم. ووجدت أن نسبة التسرب في بعض الولايات مفزعًا. إذ يبدأ من مرحلة الأساس وترتفع نسبته باضطراد في المرحلة الثانوية. بحيث أنه في شمال كردفان وجنوبها بلغت نسبة الطلاب الذين أكملوا التعليم الثانوي نحو 17% ما يعني أن 83% من التلاميذ ذهبوا إلى الفقر التعليمي وعدم الحصول مستقبلاً على وظيفة مما يرفع معدلات البطالة في السودان والجريمة وتلقائيا معدلات الفقر المدقع.
مأسأة يوم 31-3-2023م، كما في كل مأساة ينهار فيها منجم في الولاية الشمالية، نجد أن المعدنين الأهليين الضحايا هم من الشباب. ففي مأساة يوم أمس، صعدت أرواح أربعة عشر شابا إلى بارئها أغلب هؤلاء الضحايا عليهم الرحمة، يقعون في الفئة العمرية الشبابية في العشرينات.
أي أنهم في الغالب متسربين من التعليم لأسباب مختلفة ومن أهمها عدم جدوى التعليم نفسه. وكنت قد تابعت إحصاءات منشورة من سجن كادقلي بولاية جنوب كردفان تجسد مأسأة أخرى، ففي عام 2021م، بلغت نسبة المسجونين الشباب في سجن كادقلي 90% من مجموع السجناء وأغلب هذه النسبة دون الخامسة والعشرين عاما. أي أنهم ضحايا التسرب من التعليم العام. فالسودان مقارنة بالدول الأفريقية يتردى في هوة بلا قرار، ويحجز موقعًا قميئًا بهذه القوائم، ما يعني أن مستقبله ليس مبشرًا. بل إن واقعه نفسه سيكون مفزعًا. فاليوم يبلغ مجموع المتسربين من التعليم حوالي خمسة ملايين شاب وفق تقديرات منظمة اليونيسكو وما أهل السودان لأن يكون ضمن (خانة طيش) القوائم وهو (برنجي) الفشل، باستثناء أصدقاءه في سوريا والعراق وجيبوتي وحسبك من مآل ومن أصدقاء.
العالم يتغير وأفريقيا لم تتغير فحسب، بل بدأت تقدم بعض نماذج للنجاح القيادي. إذ اضافة للوزير المحتفى به هذا العام، فازت في الدورة الثانية السيدة حوا ماري كول سيك وزيرة الصحة في جمهورية السنغال، بجائزة أفضل وزيرة لدورها المحوري في التصدي لمرض «إيبولا»، من خلال تطوير استراتيجية وطنية لحماية المجتمع السنغالي من تأثيرات المرض القاتل. ونجاح القيادات الأفريقية جسدته أثيوبيا التي بدأت تقدم معدلات نمو اقتصادي غير مسبوق.
ان تسليط الضوء على تجارب الوزراء الناجحين في العالم يهدف لحث غيرهم(من الوزراء الفاشلين) لاستلهام تجاربهم والتعلم منهم. وفي معالجة إضراب المعلمين بالسودان ، لا أعلم إن كان مناسبًا اقتراح تقديم جائزة لأفشل وزير من حيث معالجة قضية إضراب معلمينا، فالجائزة إن كانت مناسبة فهي بهدف حث الوزير الفاشل على العمل للخروج من عار الفشل. فالأمم لا تنهض بالتشبث بالمواقع مع الفشل فيها، أو بالحصول على المكاسب الضيقة بالتضييق على المعلم في مقابل امتلاك سيارات الدفع الرباعي والتحايل على امتلاك أكبر عدد منها بالإعفاءات الجمركية لأولي القربى. إن البلدان تنهض بالتعليم وإنصاف المعلمين والاهتمام بمعاشهم وتلتحق الأوطان بالعصر بدعم التعليم بعامة وبالحد من تسرب التلاميذ من فصول الدراسة وبتشجيع الابتكار والابداع وكل ما من شأنه التأثير إيجابا في حياة المواطن وفي اقتصاد البلد.