على بعد 30 كلم من قلب مدينتنا سياتل الملقبة الزمردة لجمالها الأخاذ اوقفنا سيارتنا ودخلت في صالة تضم عددا من الٱتين لإنجاز مهمة المنتمين لإثنيات شتى.
فور جلوسي جاء من يجلس ملاصقا لي وهو يسأل:
من اي البلاد انت؟
فأجبته
فحياني بلطف وهو يقول:
منذ دخولك شدني وجهك السوداني وعرف نفسه بأنه اثيوبي محب للسودان
قلت:
مرحبا أخي نحن شعب واحد بيننا رحم ودم وكثيرون ممن يجرون تحليل الحمض النووي DNA لمعرفة اصولهم من السودانيين يجدون الانتماء لعنصر شرق افريقيا وفق تصنيف المسؤولين في الشركات المعنية وهو القاسم المشترك لشعوب شرقي قارتنا السمراء وبيننا تاريخ مشترك عريق وجغرافيا ممتدة.
لفائدة سادتي القراء بوسع كل شخص أن يتواصل مع تلك الشركات ويبعث لها بعينة من اللعاب في وعاء خاص يرسل له بريديا فتأتي قائمة أقاربك من الاجيال القريبة الذين يمكنك التواصل معهم عبر تقنيات الشركة صعودا لعشرات الجدود والأسلاف الاباعد من خلال بيانات قوائم ملايين المشتركين لديها مع تحديثات تالية طبقا للمشتركين الجدد تباعا من أرحامك عبر العالم .. حقا تجربة مثيرة ومفيدة تبني الصلات وتزرع المحبة.
حكى الاثيوبي عاشق السودان:
عشت في السودان شبابي الباكر مع كثير من بني جنسي ففتح لنا السودانيون بيوتهم وقلوبهم ولم يفرزونا عن أبنائهم مطلقا.
قلت:
متى كان ذلك؟
أجاب:
في عهد نميري وكنت اعمل في شارع الجمهورية وكانت الخرطوم تضارع مدن اوروبا وأمريكا عمرانا ونظافة وبهاء.
كنا ننهي عملنا العاشرة مساء فنذهب لمحال جميلة نتناول فيها عشاءنا الشهي المشكل من الفول واللحم والسمك.
كانت الملابس التي نشتريها ماركات ” عينات تجارية “عالمية عاشت معي زمنا حتى بعد قدومي لامريكا قبل 25 عاما ولغتي العربية تعلمتها عندكم.
قلت:
السودان بلدكم أخي
استرسل:
لكن ٱلمنا اشتعال الاقتتال هذه الايام وحين أشاهد اللقطات الأليمة في القنوات العالمية أسكب دمعي سخينا وذكرياتي مع الشعب الطيب تخنق عبراتي!
قالها في أسى المشفق وبحزن عميق يطل من ملامحه الودودة
استفسر مستوضحا:
ما مدعاة هذا الاحتراب؟
فاوجزت له الملابسات مضيفا دور أجندات الأيادي الطامعة الخارجية في إذكاء ناره ونفخ كيرها اشتعالا وأوارا.
فاجأني:
متى يصمت القصف؟
قلت:
نترقبه عاجلا غير ٱجل
أردف وهو يحكم قبعته وتموضع نظارته:
هل بوسعكم إعادة البناء بعد الخراب الذي حل؟
أكدت:
السودان غني بموارده الطبيعية والبشرية وعشق أبنائه’ علما أن ثروة هائلة جديدة تتبدى أمامنا حاليا تتمثل في رمال صحارينا التي باتت كنزا ثمينا بالحاجة لها في صناعات متقدمة منها أشباه الموصلات بل حتى عقاربها باتت ثروة معتبرة والعزم معقود على أن نبنيه بأفضل مما كان قفزا بالزانة.
ثم أضفت .. عنده أخي سنبكي جميعا لكن فرحا ..فضحكنا!
هنا سألت عن وضعه فأجاب أنه يعمل على سيارة شحن خاصة به فيما تنتظم زوجته في الحقل الطبي.
بعدئذ أجزلت له الثناء على وفائه وحفظه الجميل بحسبانه عينة مميزة لطيف واسع من الأنقياء الذين احتضنهم السودان عبر القرون وتبادلنا رقمي الهاتفين ودعواتنا تتسابق بأن يلهمنا الله الصواب وأن يغدق على وطننا الحبيب بفيوضه ورحموته.