تدعو للحرب ؟
ترى أن الحسم والحزم هو أقصر الطرق لاستعادة الوطن ؟
ترى أنك تمسك بين يديك حقيقة ناصعة لا يراها كل مختلف معك .. لأنه ” أملس” يخشي الدواس .. أو أنه خائن رعديد يرتجف قلبه حين يلتقي الرجال ” الكاتالين في الخلا ” .. و يسترجع الواحد منهم حقه ” حمرة عين” و ” خدمة ضراع” ؟ .. ترى أن من لا يجاريك فيما تدعو له مجرد “وللِيِد نيّ ” و ” خيبان ساكت ” لأنه لا يمتلك يقيناً كافياً في قدرات جيشنا الوطني على سحق كل معتدٍ أو متمردٍ أثيم ؟
تشعر بالغثيان و تنتابك الخيبة فيما يكتبه صاحب هذا البوست و ما قد يترتب عليه من تثبيط للعزائم و خوار لهمم قواتنا المسلحة التي تقاتل من أجله وتحرس ماله و دمه بينما هو يكتب ما لا يليق به أن يُكتب ؟ رفضك النفسى العميق لهذا المضمون بلغ بك حداً جعلك تردد بتشنجٍ في ذهنك المهتاج : الليلة بلّ ..بلّ بس
بلّ ..بلّ ؟
تؤثر اختيار الحلول السهلة حين تسمع ما لا يسرك؟ .. وتتجه لنبش بروفايله – و ربما كل من ضغط بعلامة اعجاب على ما كتب -و قد استقادك الشغف ليعثرك الله على أي دليل دامغ بأنه قحاتي عميل ..أو صاحب مصلحة في الاطاري “مقطوع الطاري ” .. انقطع طريقه نحو الاستوزار والكرسي الوثير ..أو حتى “كوز ” مندس يسعى للبلبلة و الفتنة ارباكاً للمشهد بخبائث مخبثات ؟
حسناً يا صديقي كن كما تتمنى ولكن بالمقابل :
“كنك شيف ” ..يا رعاك الله
هل لك أب سبعيني/ ثمانيني او والدة ستينية أنفقا ليلهما وهم يزحفون في حوش بيتهم اتقاءاً لرصاص أقام فوق رؤوسهم حفلات ليلية صاخبة و قد احترقت صدورهم بأنفاس لاهثة يحاذرون حتفاً ليس لهم عليه سلطان ؟ أليس لك بيتاً أنفق في ابتنائه أبوك مالاً حلالاً طيباً بعدما أفنى عمره و هو يخدم وطنه بإخبات ..فأوى إليه اخوتك و شقيقاتك و ابنائهم و بناتهن .. بعضهم زرع بيديه الغضة شجرة ليمون نمت لتناطح نخلة زرعتها أنت حين كنت غريراً غض الاهاب .. هنا نشأت أنت و هنا استوى سوق الأحفاد و ابناء الأحفاد ..وفي هذه الحواري و الأزقة اندلقت بضعة منك و قطعة مما ابتنته فيك ذكريات غوال ظلت تتعقبك بسطوتها دون أن تقتل فيك عشماً سرمدياً بأوبة لأمدر التي طالما تسألت بحيرة عن الوقت الذي “سترجع لها و تعودها فيه ” ! .. أو قل ان شئت مشرباً مختلفاً .. رجعة لقضروف ود سعد الذي لن تجد فيه سعداً بعدما زحف نحوه الرصاص و الحزن .. وقد يكتب الله عليك مسكنة أبدية تحول -مثلاً -دون أن تملأ رئتيك من هواء “الرهد اب دكنة ” فيقتلك الحرمان و المسكنة التي ضربها الله على من هم ليسوا بساكنيه !
ألم تسمع و أنت ترقص رقصة الهياج المجنونة على ايقاع بوم الحرب الناعق من عواصم الدنيا القصية في بلاد الضباب و حيث جبال الاناضول .. ألم تكلف نفسك الثائرة التي تسعي لفش ” غبينتها ” و تسعى بظلفها لخراب مدينتها ..ألم تكلفها بالاستماع لأنات أم اغتالت الفئة الباغية فلذة كبدها الوحيدة برصاصة طائشة ..ألم يعد لك قلباً تعي به بكاء ابناء و أحبة على أم أو أب دفعه الضيم لمغادرة الدار فلقي أحدهم مصرعاً وهو يتشرد محاولاً أن يبلغ مأمنه ..انتاشه حادث سير أو نال منه ساطور نقر من أجل حفنة من مال لا يكفى لقصعة تملأ بطناً جائعة ؟
هل أتاك حديث التمردات التي انزلق لقمعها جيشنا على مر التاريخ ؟ هل أتاك حديث تمرد الاستوائية في ١٩٥٥ ..ألم يقل لواءات و فرقاء ذلك الزمان ان الحسم لن يزداد على اسبوعين؟ ..فانجرت البلاد لحرب أهلية مميتة انتهت بمفاوضات قسمتها بعد أطول حرب أهلية شهدتها افريقيا ؟ .. كم كان سيكسب السودانيون شمالاً و جنوباً لو اصطفوا حول مائدة الإجاويد حينها قبل أن تحترق البلاد بالإحن و الثارات وصولاً لحادثة الثور الأبيض الذي ما زال عاره يلطخ تراب هذه الأرض ليومنا هذا ؟ كم من العقود مضت على نعيق البشير و هو يرقص على اشلاء ضحايا دارفور و جنوب كردفان و يحلف طلاقاً بأن لا مفاوضات قبل أن يُحسم كل متمرد و يطلع كل قرد شجرته ؟
هسا دا كله بعينك ما تشيف ؟
هل أتاك حديث اليمن السعيد ؟ حين اجتاح الحوثيون صنعاء ..فاستعان جيش البلاد الهمام بطائرات سعودية و امارتية ترميهم بحجارة من سجيل .. ألم يقل حينها هادي عبد ربه أن تمشيط صنعاء و اليمن بقوات من أشاوس سيأخذ شهر اً على أسوأ الفروض .. هل أتاك حديث ليبيا و سوريا و رواندا و الصومال ؟ هل تظن أنك أرسخ منهم ببنائك الاجتماعي المتهالك و جسد بلادك الذي لم يبق به موضع يخلو من ضربة جهل لازب و لا عنصرية رعناء أو حتى ترفع جهول لأفندية مزقتهم الأنا الفانية فقرروا مع عسكرهم القتلة و من تمرد عليهم من مليشيات لصوصية ..افناء هذا الوطن عن بكرة أبيه من أجل صراع عابث مضحك ؟ أتظن أنك قادر على استخدام نفس الأساليب التي اتبعوها هناك دون أن تحصل على ما حاقهم من كوارث ماحقة ؟؟؟ اااااا وييين ياااا ! ااااا وييين ياااااا !
هل أتاك حديث الحروب و ما يصحبها من انتهاكات كالسلب و النهب و هتك الاعراض و ترويع الآمنين ؟
هل رأيت بعينيك ما كنت تتغافل عنه حين تمتلئ الشاشات بجموع النازحين المتعبة الناحلة في معسكرات كلمة بدارفور و نواحيها ؟
انها ذات الحرب التي كنت تظنها مباراة لاهبة في دوري ابطال اوربا .. كل ما عليك أن تفعله هو تشجيع فريقك بحرارة سواء ان كان الريال أو البايرن .. لتحتفل بعدها و انت آمن في المدرجات وقد حاز عنك اللاعبون نصراً اقتلعوه نيابة عنك .. ولكنك ستدرك بعد حين أنها ستقتلع منك كل ما ظللت تؤمن به من أخلاق و مبادئ .. ستقتلعك أنت من نفسك التي تراها تمشي الآن عارية متوحشة دون سبل ساتر !
تُرهب كل من يقول بغير ما ترى بأن تلوح في وجهه بكرت العمالة و الارتزاق و التقحت متحيناً كل سانحة لإسكاته الى الأبد .. لا تستنكف استدعاء التاريخ الذي تواتر اليك بصوت حبوبة سحيقة لتعضد ما تسربلت به نفسك من حمولات تاريخية و اثنو سياسية.. تريد انتاج ذات الأزمة و في سبيل ذلك ليس مهماً أن تخسر صديقاً أو أخاً عزيزاً عرفته بعد مرور قرنٍ على تلك الأحداث .. تتفحش معه في القول و تلاسنه من أجل حرب لعينة ابتدرها طرفان دون أن يستشرونك أنت و لا هو .. وعندما يجلسان على مائدة التفاوض التي يعلمان جيداً أنهما سينتهيا اليها .. بدفع حثيث من سادات لهم بخارج الحدود .. عندها ستخسر أنت نفسك و بلادك و معارفك الذين اخترهم في وقت السلم .. فتستبدل كل ذلك لتمشي وحيداً بجسدٍ منهك و قلبٍ مشوه ذبيح !
هذا الطريق نهاياته بادية المقاتل .. وكلما أوغلتم فيه .. كلما صُعب عليكم الإنسحاب للوراء لأن للإثم عزة ناصيتها كاذبة كذوبة .. تتمرغ في مستنقع من المكابرة و المتناقضات ..
أحقنوا الدماء إن كان لكم وطن تؤمنون به اليوم قبل غداً … اللهم إنا نسألك الستر و العناية واللطف ببلادنا و منبت رزقنا و ابناءنا و ذرياتنا ..
لا للحرب .. لا و الف لا للحرب ..