الخرطوم – التحرير:
بعد يوم واحد من منع الأجهزة الأمنية نائب رئيس حزب الأمة القومي د. مريم الصادق المهدي من السفر بعد استكمالها للإجراءات بالمطار، تكرر السيناريو نفسه مع رئيس حزب البعث السوداني يحيى الحسين الذي منعته الأجهزة الأمنية أيضاً من السفر، وهو يتأهب لركوب الطائرة.
ظلت قضية منع السياسيين والناشطين من السفر خارج البلاد من القضايا المقلقة؛ لأنها أصبحت تتكرر بشكل لافت خصوصاً خلال العامين الماضيين، ففي 8 نوفمبر من العام 2015م منعت الأجهزة الأمنية كل من السكرتير السياسي للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب، والقيادي في الحزب الشيوعي طارق عبد المجيد، ورئيس الحزب الاتحادي الموحد جلاء الأزهري من السفر إلى باريس، وصادرت وثائق سفرهم ، وفي مايو من هذا العام منعت الأجهزة الأمنية نائب رئيس الحزب مريم الصادق والأمين العام سارة نقد الله والقيادي بالحزب محمد عبد الله الدومة من السفر إلى العاصمة الفرنسية باريس؛ للمشاركة في اجتماع قوى نداء السودان، ومصادرة وثائق سفرهم، ومنعت أيضاً عضو المجلس القيادي لقوى نداء السودان جليلة خميس كوكو، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، ورئيس التحالف الوطني كمال إسماعيل، ورئيس حزب البعث السوداني يحيى الحسين من السفر إلى باريس للمشاركة في الاجتماع نفسه.
(التحرير) استطلعت بعض القيادات السياسية حول هذه القضية، وتأثيرها في أوضاع الحريات بالبلاد.. فكانت هذه الإفادات التي خرجنا بها.
الحسين: الحكومة تخاف من اجتماع قادة المعارضة
أشار رئيس حزب البعث السوداني يحيى الحسين إلى أن ظاهرة منع السياسيين من السفر من الظواهر التي دأب النظام على القيام بها؛ لمنع قادة العمل السياسي من التواصل مع بعضهم بعضاً.
وقال الحسين لـ(التحرير): “إن هذه الظاهرة تنطوي على خسائر مادية ومعنوية للسياسي”، وأشار إلى أن الحكومة منعت سفر بعض قادة العمل السياسي من حضور اجتماعات باريس التي تنظمها قوى نداء السودان؛ لأن قوى النداء الآن تمثل قوى وأحزاباً سياسية في الداخل، وقوة عسكرية تتحالف معها بالخارج؛ لذلك الحكومة لا ترغب في التئام شمل قادة هذه القوى؛ لأن ذلك يخيفها.
وتطرق الحسين لحادثة منعه من السفر خلال اليومين الماضيين مؤكداً أن سفره كان لإمارة دبي بالإمارات العربية المتحدة، ولا علاقة له بالعمل السياسي، ومع ذلك جرى منعه من السفر”، ولفت إلى أنه ما لم يذهب هذا النظام فإن عمليات مصادرة الحريات والحقوق الدستورية ستستمر، ولن تتوقف.
خالد يوسف: تعبر عن الطبيعة الشمولية للنظام
ويرى نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف أن ظاهرة منع السياسيين من السفر تعبر عن الطبيعة الشمولية للنظام الحاكم، وعدم احترامه الدستور الذي وضعه بنفسه، وأشار في حديثه لـ(التحرير) إلى أن الأهم من ذلك كله هو تعبير تلك الظاهرة عن حالة ثقة في النفس اعترت النظام عقب رفع العقوبات عن البلاد، وظن أن المجتمع الدولي قد منحه الضوء الأخضر لينتهك حقوق الإنسان كما شاء دون حسيب أو رقيب، وعد يوسف ذلك المسلك استقواء بالأجنبي على الشعب؛ لأن النظام يعتقد بأن ذلك الاستقواء سيعصمه من تراكم الغضب الشعبي جراء الممارسات المهينة للكرامة والسالبة للحرية، وعدّ تلك حسابات خاطئة ستراكم المقاومة من أجل إنهاء الأوضاع الحالية، ونادى يوسف بضرورة وحدة القوى السياسية، واتفاقها على برنامج للمقاومة السلمية، وتحقيق أهداف تصفية الشمولية.
صالح محمود: تقرير الخبير المستقل أشار لهذه الظاهرة
ويقول القانوني والقيادي بالحزب الشيوعي السوداني صالح محمود: “إن الحديث عن مسألة منع السياسيين عن السفر من الناحية القانونية لا بد أن تسبقها عملية توضيح مهمة جداً، وهي أن القانون جزء متفرع من الدستور الذي يحتوي على وثيقة الحريات والحقوق”.
ويؤكد صالح في افادته لـ(التحرير) أهمية حرية الحركة التي نصت عليها المعاهدات الدولية، وتحديداً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الافريقي لحقوق الإنسان، وقال: “إن هذه الوثائق جزء من الدستور السوداني، وعليه فإن أي انتهاك لهذه الحقوق يعدّ انتهاكاً صارخاً لنصوص الدستور، وأن المنع من السفر لأسباب سياسية يعدّ أخطرها”.
وأشار إلى أن المنع لا يجري إلا لأسباب تتعلق بأحكام صادرة، أو بعض الأسباب الموضوعية التي تستدعي حجز الشخص المعين لأغراض التحقيق، أما منع السياسيين من السفر لأسباب سياسية، وبواسطة قانون الأمن، وليس القانون الجنائي فهذا لا يجوز.
وعدّ محمود قانون الأمن من القوانين المعيقة للحريات التي ينادي كثيرون بإلغائها لتتماشى مع الدستور والمعايير الدولية، وقال:” إن واحدة من المشكلات التي أشار إليها الخبير المستقل في تقريره المقدم لمجلس حقوق الإنسان في الدورة 36 هي منع الأشخاص من السفر”.
عبدالله آدم خاطر: تدل على خلط الأوراق في مسألة اتخاذ القرار
أما المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية عبد الله آدم خاطر، فقد أوضح في قراءته لـ(التحرير) أن هذه الظاهرة تدل على خلط الأوراق في مسألة اتخاذ القرار، قائلاً (منو يتخذ شنو دي) واحدة من المشكلات التي نعيشها في الوقت الحالي، وأبدى أسفه على فقدان الحكومة الاتجاه في التعامل مع الآخر المعارض، واستيعابه في العملية السياسية، وأشار إلى أن المرحلة الحالية هي مرحلة الجميع، ولا بد أن يكون التعاون من خلالها في أعلى درجاته؛ لأن البلاد تواجه ظروفاً تتطلب التعاون بين جميع السودانيين، وقال: “لولا ضيق الأفق، واضطراب القدرة على اتخاذ القرار، فإن هذه الظاهرة ما كان لها أن تكون سمة من سمات اليوم”.