يا أهل السودان عليكم أن تتوحدوا لتنقذوا وطنكم
قلبي يسكنه الأسى … وهل نملك في هذه الظروف القاتمة سوى الأسى والحزن والبكاء على الفجيعة التي أصابت الوطن وجعلت حياته قطعة من الجحيم … لا أحد يدري من أين جاءوا بهذه الكراهية وكل هذا الغل تجاه أخوة لهم يضمهم وطن واحد واسع وعريض يسعهم جميعاً إذا توافقوا على الحياة المشتركة والعمل على تنمية الواقع واستثمار الثروات الكبيرة التي وهبهم لها الله.
واقع الحال الراهن ينبئ بمألات سوداء ستجعل الحياة صعبة إن لم تكن مستحيلة بعد أن هجرت أعداد مقدرة ديارهم بحثاً عن الأمن المفقود والطمأنينة الغائبة إلى أهلهم في الأقاليم أو عبروا الحدود إلى الدول المجاورة حيث كان نصيب مصر العزيزة هو الأكبر وهي نبوءه تحدث عنها الشيخ محمد ود دواليب في “مصفوفته” في القرن الثامن عشر حيث نصح أبناءه بالهجرة إلى مصر هرباً من الكوارث والبلايا التي ستحيق بالسودان.
كنا متعايشين في سلام في وطن يوفر لنا كل شيء وتظلنا الألفة والتكافل والتضامن الإنساني إلى أن سكنتنا الكراهية وجاء الإسلاميون بمشروعهم الحضاري المزعوم ليوقظوا الجهوية والعنصرية والمناطقية والقبلية ويحولوا السودان الوطن المتعايش إلى أرض محروقة في القلب وفي الأطراف وكانت محنة دارفور أكبر شاهد على ذلك وجاءت نتيجة تشطير أرض المليون ميل مربع إلى سودانين في الشمال المسلم والجنوب المسيحي.
المشروع الحضاري الإسلامي المزعوم كان مخططاً له بمكر وإحكام حيث انتشرت ومنذ الأيام الأولى “بيوت الأشباح” لتعذيب المعارضين السياسيين وممارسة القتل والترويع بصورة ممنهجة إلى جانب تدمير كل مؤسسات الدولة … ماذا كان يريد هؤلاء الناس من السودان الوطن؟ وكل الذي نعاني منه اليوم هو حصاد مازرعوا كرهاً وعنصرية وفساد طال كل مناحي الحياة ودمر الشخصية السودانية بصورة قد تحتاج إلى سنوات حتى يشفى منها أبناء الوطن الواحد.
مؤامرات “الأخوان المسلمين” لم تتوقف عند محطات بعينها بعد من حكموا بلداً متسامحاً ومتعايشاً أكثر من 30 عاماً كانت بشهادة الأصدقاء والأعداء الأتعس في تاريخ وطن عٌرف عن أهله الطيبة وحسن المعشر والنبل والسماحة، أيقظوا الكراهية وواصلوا التأمر على ثورة ديسمبر المجيدة حتى أجهضوها وبددوا أحلام الشباب الثائر الذي حمل رايات السلمية وأسقط دكتاتورية المخلوع عمر البشير البغيضة، وهتف من أجل الحرية والسلام والعدالة التي حٌرمنا منها، والمتطلع لبناء السودان الجديد الذي نحلم به جميعاً … وهذا الجيل لن يتنازل عن طموحاته المشروعة مهما طال الطريق، والنصر في النهاية يحتاج إلى الرؤية والإرادة وهي شاخصة رغم المحن والمؤامرات.
عندما انطلقت الرصاصة الأولى في الخامس عشر من أبريل الماضي 2023 كان الحريق قد إشتعل ولم يكن الناس مهيئين لا نفسياً ولا مادياً لهذه الكارثة التي سقطت على رؤوس الجميع … وتواصل الموت المجاني في الطرقات والمنازل وانتشرت الجثث بصورة مأساوية وغاب الأمن بصورة كاملة حتى أن وزير الداخلية بدأ يبحث عن لجوء سياسي له ولأسرته في بقعة بعيدة وعم الدمار كل شيء ولعل الدمار الأكبر كان في نفوس الناس الذين لم يستوعبوا ما حدث وسط تطمينات كاذبة أن “مليشيات الدعم السريع” من رحم القوات المسلحة وغير مسموح لأحد التشكيك في وطنيتها وتبعيتها للقائد العام.
نحن لا نحتاج إلى محكمة واحدة وإنما سلسلة لا نهائية من المحاكم العادلة والحاسمة ونأمل أن يتم تطهير الوطن من كل الرجس المدني والعسكري، وحتى هواة السياسة الذين باتوا يرقصون عراه فوق رؤوسنا … هذا الأمر يحتاج إلى قيادة صادقة وأمينة تضع الوطن أولاً وأخيراً في حدقات عيونها.
نتساءل الأن عن من سيعوض الذين نهبت منازلهم وأحرقت متاجرهم واغتصبت حرائرهم … ومن الذي سيشفى الجراح الغائرة التي ترسبت في أرواح ملايين النازحين والمهجرين داخل السودان وفي بلاد المهجر شرقاً وغرباً وجنوباً عوضاً عن الشمال الذي إمتلأ.
الأرقام التي أوردتها المنظمات الدولية المتخصصة عن احتياجات الشعب السوداني المكلوم كبيرة وخطيرة في وقت يعاني فيه العالم من أزمات تضخم وحروب طاحنة في أكثر من مكان وحروب محتملة هنا وهناك … هذا الواقع قد يجعل قضية السودان وعذاباته قضية منسية قد تتحول بفضل الأيدي الأجنبية الخبيثة إلى حرب أهلية طاحنة لن تبقي على الأخضر واليابس.
الأمل مازال معقوداً أن تنجح الجهود الدولية والمبادرة السعودية الأمريكية في وضع حد لهذه المهزلة الإنسانية وإيقاف الحرب العبثية والتطلع إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحكم قدرتها العسكرية والإستراتيجية أن تعيد المتحاربين إلى جادة الصواب.
في ظل المناخات الراهنة تبقى الحقيقة ضحية التدويخ الإعلامي ولعبت الأسافير التي تصب في عقولنا حزمة مقدرة من الأكاذيب والضلالات فيما تواصل الأيدي الإقليمية العبث بمقدرات الشعب السوداني وأمنه وإستقراره ومستقبله.
يا أهل السودان -أياً كنتم مدنيين أو عسكريين- عليكم أن تتوحدوا لتنقذوا وطنكم من الضياع و سيسأل التاريخ كل المتورطين في هذه اللعبة القذرة وسنظل نلعن السلطة والمتطلعين لها بغير وجه حق، والبندقية لن تبني وطناً ولكن يمكن أن تدافع عن حياضه وليحمي الله السودان وشعبه الطيب المسالم ويجنبنا الكراهية والحقد والأضغان.