شهدت الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية اليوم (٢٨ مايو ٢٠٢٣) تفاعلات ساخنة ومنافسة حامية بين تحالف (الجمهور) بقيادة الرئيس المنتخب رجب طيب أردوغان ومرشح تحالف المعارضة كمال كليجدار ،و عكست حقائق مهمة تتجاوز حدود تركيا الى الاقليم والعالم.
هذه التفاعلات تؤكد بوضوح أن فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة تستمر خمس سنوات شكل نجاحا باهرا لرجل يحكم لربع قرن ، و رغم ذلك فاز بارادة شعبه عبر صناديق الاقتراع،وأمامه فرص ليكتب صفحات جديدة في تاريخ شعبه .
أرى في هذا السياق أن من حق أردوغان وحزبه، وأي إنسان ودولة أن يحدد توجهه أو تحدد توجهها السياسي ، و الأهم في هذا السياق أن حزب أردوغان التزم الديمقراطية واحترم التنافس الحر مع أشرس معارضيه، وهذا ما التزم به وحزبه من خلال الاحتكام الى الديمقراطية، وفقا للوقائع الملموسة .
و رغم كل ما يقال عن توجهات أردوغان الحزبية والانتقادات التي صوبت و توجه لسياساته وبعضها صحيح ،فانه بمعيار الالتزام باللعبة الديمقراطية النظيفة من خلال الانتخابات جدد التأكيد أنه يقود حزبا ديمقراطيا واكب بفاعلية باهرة روح العصر ،وسعى الى تصحيح أخطاء بعض سياساته محليا واقليما ودوليا.
هذا يعني في ضوء مسارات العملية الانتخابية في تركيا التي تابعت مشاهدها وايقاعاتها باحترام وتقدير أن الأتراك حكومة ومعارضة يستحقون الإشادة والتقدير والتحية، اذ ضربوا مثلا رائعا في كيفيات التنافس الحضاري في سبيل التداول السلمي للسلطة.
هذا يعني أيضا أن فوز أردوغان مستحق ،وأعتقد بأنه من خلال حصول تحالفه على أغلبية مريحة في البرلمان ستتاح أمامه أوسع الفرص لتعزيز سياسات تهتم بمشاكل البلد، وفي صدارتها الأزمة الاقتصادية التي فاقمها زلزال ،و احترام الحريات والحقوق لكل الأتراك .
كما أن المعارضة التركية رغم فشل مرشحها الا أنها شكلت تحديا حقيقيا لأردوغان وحزبه ، ما يتطلب درس دلالات ذلك ، خصوصا أن الفوز بالرئاسة تم في الجولة الانتخابية الثانية، وهذا يستوجب درس أسباب هذا التحدي الكبير .
أما بشأن علاقات أردوغان بدول عربية أرى أن أمامه تحديات تكمن في ضرورات مواصلة وترسيخ سياسة مصالحات ايجابية بدأها عشية الانتخابات، ما يستوجب معالجة شاملة لأزمات و خلافات حادة بينه ومصر والسعودية والإمارات ودول أخرى في العالم ، ولوحظ أنه خاض الانتخابات في أجواء خفت فيها التوترات مع دول في المنطقة العربية.
عالميا سيعزز فوز أردوغان أدواره الدولية ،وليس أمام دول كانت تتمنى سقوطه في الانتخابات وبينها أميركا ودول أوروبية الا أن تتعامل مع الواقع وحقائقه، والمؤكد أن هذه الدول (برغماتية) وتعرف ثقل تركيا وحيوية أدوارها في المنطقة والعالم.
من الرسائل الايجابية التي أفرزتها الانتخابات التركية أن حزب العدالة والتنمية -وهو حزب بمرجعية اسلامية أي (إخوانية) – قد ضرب مثالا رائعا جديدا وحيويا بشأن قدرته على احترام التنوع السياسي في المجتمع التركي، ووعيه بضرورات تماسك المجتمع من خلال الديمقراطية باعتبارها صمام أمان لنهضة المجتمعات العصرية، وخصوصا ذات التعددية السياسية والعرقية .
المشهد التركي عكس أيضا أبعاد مواقف أردوغان في حديثه الأول أمام منزله في اسطنبول ، إذ حيا (الشعب النبيل) الذي صنع (الاحتفال الديمقراطي)،وان ( شعبي مكنني من تحمل المسؤولية تجاهه لخمس سنوات).
وفيما حيا كل أطياف الشعب وبينهم المسنون والنساء والشباب ، شدد في لفتة ذات دلالات على أن (الشعب التركي هو الفائز بهذه الانتخابات).
الانتخابات في أجواء ديمقراطية حقيقية – وانتخابات الرئاسة في تركيا مثالا- وكذلك الحال في أميركا وأوروبا ودول أخرى هي ليست فقط عملية تنافس حر بل هي أيضا تربية وطنية مهمة للناس والأجيال.
الانتخابات الحقيقية ترتفع بمستويات الوعي وتحدد كيفيات تمثيل الشعوب وأيضا أسلوب اسقاط أي نظام حكم أو حكومة أو قائد سياسي.
صناديق الاقتراع هي طريق العصر لا الانقلابات العسكرية أو شن الحرب كما هو الحال في السودان حاليا .
تركيا بقيادة أردوغان وحزبه وتحالف المعارضة أرسلت بتفاعلات الانتخابات الرئاسية رسائل مهمة ، وخصوصا الى انقلابيين عسكريين وديكتاتوريين يسفكون الدماء ، وأيضا الى بعض الأحزاب في السودان والمنطقة العربية التي ترفع شعارات (إسلامية) وتمارس في الوقت نفسه العنف بأساليب عدة، بينها الانقلاب وعدم احترام الحريات ، ما يؤكد أنها تعيش خارج دائرة العصر .
الديمقراطية الحقيقية مدرسة مفتوحة لمن يريد التعلم واستخلاص الدروس ..
لندن ٢٨ مايو ٢٠٢٣
كلما شهدت انتخابات في دولة تتوفر فيها القيمة الحقيقية للديمقراطية تحسست قلبي المنفطر على ما يجري في سوداننا الحبيب من اقتتال وحرب عبثية لا تبقي ولا تذر .. كفيت ووفيت كالعادة يعطيك العافية استاذ محمد