للدكتور محمد شحرور ، رحمه الله، صاحب القراءة المعاصرة الحصيفة للدين وللتنزيل الكريم عبارة بليغة حول الحراك المجتمعي وتقدم الدول، وتخلفها، فحواها أن : ثواب المجتمعات ( دولا وأمما وشعوبا ) وعقابها يكون في الدنيا وليس في الآخرة ، عندما يقوم الناس لرب العالمين . ويتبدى الثواب في صور الاستقرار والنهوض والمشاركة في السباق الحضاري، إذا كان المجتمع صالحاً ( ليس بمعنى التدين ) ولكن صلاح الأخذ بأسباب النهوض والتفاعل مع المعطيات حوله..
أما العقاب فيكون في صور أزمات وحروب وانتكاسات ، إذا لم يكن المجتمع متصالحا مع نفسه، وتقاعس عن دخول مضمار السباق الحضاري، وشغلته التوافه ، وأخفق في إدارة نفسه بالطريقة الايجابية التي توظف الموارد وتحسن استغلالها . وهذا يحدث إذا كان من يقودونه أراذل وبادوا الرأي، وظلمة، مصداقاً ل ” يداك أوكتا وفوك نفخ ” .
أما حكايات أن المآسي لها علاقة بحب الله لشعب يطبق الدين وأنه يختبره لتتم مكافأته لاحقاً فهو هراء . لأن ثواب الله وعقابة وفق ” ما كسب واكتسب” .
ومن جانب آخر فالقول بأن المجتمعات ” الهانئة الناهضة ” اليوم لا حظ لها بعد زوال الدنيا ، فهذا صحيح على أساس ” عدم جماعية الثواب والعقاب ” ، فهذه الشعوب قد أخذت حظها وقطفت ثمرات صالحها لإعمار الأرض .
والصلاح الذي يجعل شعبا ما يهنأ بالعيش وينهض هو جملة من المقومات والقيم الإنسانية، في طليعتها القدرة ( مختلف أنواع القدرة ) وإحكام العقل وإعماله، بعيدا عن الرؤية الأحادية .. لأن الكون ، كما يقول د. شحرور قائم على التعددية، كل شىء سوى الله متعدد . والمجتمعات الأحادية مصيرها الهلاك ( الذي لا حياة بعده ) ..
فالله لا يجزي الدول والمجتمعات في الآخرة ( ثوابا وعقابا ) ، لأنها حصدت نتاج عملها في الدنيا . وحساب الآخرة فردي وشخصي لأن التدين شخصي والتكليف شخصي. ومن جملة التكليفات التي يحاسب عليها الفرد دوره في هلاك مجتمعه بالعجز وقصور الرؤى، وبالتآمر.
وليس أوضح مما هو ملموس في واقعنا ومحيطنا.
فهل من أوردوا بلادنا المهالك جاهزون للحساب الشخصي، وليأخذ كل كتابه بشماله ووراء ظهره؟