منذ أن بدأت أشعر وأنا أغط في سبات عميق، وأحلم أحلاما جميلة وردية، لونها بلون الفراش الذي أتململ فيه؛ وأنا هنا خالي البال، صافي الذهن من أي هواجس أو أحزان تؤرق مضجعي. إنّي أشعر وكأني في جنّة، بل فعلا أنا في جنّة لا نصب فيها ولا وصب، إذ كل ما فيها راحة ونوم فنوم…وأحلام مؤجّلة لغد مشرق في دنيا قيل لي عنها بأنّها جميلة؛ فذاك الصّوت العذب المنبعث من بعيد يحدثني عنها بين الفينة والفينة، ويروي لي عنها حكايا “ألف ليلة وليلة”، ويعدني بسعادة هي بانتظاري فيها…في أروع أعجوبة سمّاها “الحياة”، ما جعل هذه الأعجوبة مركز أحلامي، فصرت لا أتوقّف لحظة عن الشّعور بها رغم أني لم أرها بعد؛ وكم رسمت لها من خطط ومشاريع…وكم تمنيت رؤية ما سمعته عنها…وكم…وكم…وكم.
إنّ ذلك الصّوت الشّجي، الذّي يناديني دائما “حبيبي”، هو صوت أمٍّ فاتنة تحملني بين أحشائها وترعاني بكلّ حب وحنان. أمٌّ تتمتع بكلّ معاني الشّموخ والعنفوان…في بلدي الأبيّ الذّي تحدثني عنه دائما حتّى أحببت وطني قبل أن أراه، ورغبت في أن أولد فيه، وأعيش في كنفه حرا كريما؛ ومن فرط حبّي له لا أذكر كم مرة دغدغتها متسائلا: “أماه…حدثيني عن وطني…أريد أن أعرف عنه المزيد…حتى أحبه أكثر فأكثر”، فتبتسم لي ابتسامة ملائكية جذابة أشعر بها من نبضات قلبها، وتسترسل في الحديث عن سحر وطني وجماله…وطيبة أهله وإبائهم، ولا أذكر كم مرّة ألحيّت عليها بركلاتي كي تغنّ لي بعضا من أغانيه، فتمتعني بمواويل تخترق بلحنها الحزين قلبي، وتبعث فيه شجنا عميقا لم أدرك سببه حتّى الليلة.