اول ما وقعت عيني عليها سحرتني الابتسامة البريئة، طفلة صغيرة تركض في صالة المطار جيئة وذهابا، تشيع بهجة، كنت اغلف لاحدى قريباتي حقيبة، اخذت موقعي في الصف، احدى السيدات استأذنتني لتتقدم امامي لم اسمعها جيدا، ولكن اومأت بالموافقة، يد ما تعبث بطرف جلبابي تحاول الإمساك بقلم كنت اكتب عنوان واسم صاحبة الشنطة، اعتقدت لاول وهلة احد يريد القلم، ليكتب فإذا بها ذات الطفلة التي في الصالة، ذات الابتسامة لغة التواصل مع الأطفال بسيطة ومريحة، رفعت كلتا يديها، حملتها على كتفي وصرت اضيع في تفاصيل هل هذه الطفلة تدرك من انا ولماذا كل هذا الفرح هل تعلم بان حربا في بلادها؟ من عادتي لا يمكن أن امنع طفل من العبث بالنظارة او الهاتف المحمول استجيب كليا للأطفال، اتحول من شيخ الى طفل، لم اعرف من الطفلة ولا اهلها ليس من احد منحني شعور انها بنته، وكانت هي قد اخذت القلم واصرت على فتحه خطوة اثنتان من الكاونتر اعطيتها ورقة شخبط شخابيط لخبط لخابيط فرحت فرحا يكفي ان يحيل قبح العالم الى سلام، ليت الحاكمين من الأطفال!
لم يعكر صفو الصباح وطفلتي التي علقت بي ومنحتني سلام الكون في بسمة وعبث بعمامتي ونظارتي وجوالي غير احمق ملتحٍ انتزع القلم من يد طفلتي البريئة بلا ادنى وازع من ادب او ذوق او انسانية، ومعها تضجر وهمهمات، بكل هدوء الدنيا قلت له نأسف يا سيدي، وهناك عدة اقلام، وزدته هذه طفلة يا عزيزي، اما كفاك ابتسامتها، المهم هو قرفان يبدو وبلدنا فيها حرب، المهم منحته الف عذر وارحت بالي، ضاعت البسمة من تالا وكيف عرفت ان الطفلة تالا، اتت شابة في غاية اللطف والبهاء، قالت يا تالا التفت تالا وانحشرت فيني واحاطت رقبتي بقبضة يديها، وقررت ان لن تترك هذا الشايب، سلمت عليّ امها وحاولت معها، قلت للشابة المخضبة، خلي تالا انتم مسافرون قالت نعم، قلت لها انا عندي شنطة اسحبها وادفع لصاحب التغليف، ونأتي انا وتالا الى الصالة، سحبت الشنطة وتالا محكمة قبضتها الطرية وعمامتي تكاد تسقط وتصّر ام تالا على سحب تالا او الشنطة، وصلنا الصالة انا والشنطة وتالا والعمامة على وشك السقوط وجوالي في يد تالا يرن وهي ترد، اجلست تالا في كرسي وجلست اصلحت عمامتي كانت تالا ترد بكلمات بلا معنى على متصل لم يفهم ويبدو انه اقفل الهاتف من طرفه.
الصالة منعش هواءها، الناس تنتشر كل ٌ في شأن يقضيه، فجأة يعلو صياح وسباب خارج النص تركت حتى تالا الهاتف لتتابع ذلك الرجل قصير القامة قصير الجلباب دون طاقية وبلا عمامة وهو في اشتباك جديد، هاج بعد ان انتزع القلم من طفلة مع العامل وكادا أن يشتبكا بالايدي، وها هي الثالثة مع موظف الخطوط، قال له انت تقدم احد من آخر الصف عليّ، ورغم ادب الموظف وشرحه ان الرجل مراجع قبل الملتحي قصير العقل حقاً، هنا كانت المفاجأة ان معه زوجه وهي ذات خمار وصوت لا علاقة له بالخمار وماتبعه من تعاليم ديننا بخفض الصوت المهم تالا تعابير وجهها تقول بالحالة، تقدمت نحو الرجل وقلت له يا استاذنا انت متوتر ليه؟ يا اخي انت قلعت القلم من طفلة بريئة دون استئذان، اسأت التعامل مع عامل التغليف ومن ثم الآن اسأت للموظف رغم انه يشرح لك الموقف وزوجك اسأت للكل دون تروٍ، وبلا اي احترام لاحد،في شنو يخليك منفعل لهذا الحد ؟ يا زول اهدأ، واستغفر وصلّ على النبي، وهو في هيجان ثور في حلبة صراع اسباني لا يفرز، وجد ضالته في تدخلي وقرر ان لابد يقع تصادم واشتباك، حقا لولا توتر اصاب تالا وهي تشدني من طرف جلبابي ان اتركه لكان قد اخرجني تماما عن حدود اللياقة او تمظهر بالرقي، وقتها التفت لتالا التي رفرفت بيدين كأجنحة الملائكة وسحبتني من جلبابي لابعد عن هذا المهتاج وزوجه تصيح كذلك كأننا في ساحة حرب!!! وكأنما بهما مسّ، قمة الهمجية والعصبية واللا موضوع واخذ الامور بغباء وتشنج، اصاب الجميع بالتقزز، تقول لي تلك حالة فردية اقول لك تقريبا طلعت المطار عشرات بل مئات المرات لم اجد شعبا من شعوب الدنيا يتشاجر غيرنا وفي حده الأدنى متعصب وغير راق في تعامله ، هذا العنف وهذه العصبية نتاج خواء وعدم تحضّر، وعدم احترام للنظام والذوق العام، نحتاج مراجعة الكثير معا وفي هدوء، انتهت اجراءات اسرة تالا اتاني والدها شاب لطيف ووالدتها وجلسنا عشرة ونسة كانت تالا لا تزال تعبث في براءة ودعتهم وتالا تفهمت انها ذاهبة بالطائرة لبورت سودان ولي تجربة اخرى ساكتبها نقدا لسلوك لا يليق، وداعا تالا وليت الوطن يحتوي امثالك فقط.