بعد أكثر من شهرين على المواجهات بينها والجيش السوداني بالعاصمة الخرطوم يشهد النزاع في السودان تحولا بتركيز قوات الدعم السريع على السيطرة على بعض ولايات إقليم دارفور الخمس والسيطرة على الشريط الحدودي مع أفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا وجنوب السودان لتأمين خطوط إمداد من خارج البلاد.
ويسعى الدعم السريع إلى السيطرة على هذه الأقاليم لاستمرار إنتاج الذهب في مناجم تمتلكها أسرة قائد قواتها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، مما يهدد بانتقال الحرب من العاصمة الخرطوم إلى غرب البلاد وطول أمدها، حسب مراقبين ومعلومات أمنية.
وبعد 5 أسابيع من اندلاع الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في منتصف أبريل/نيسان الماضي، شهدت ولايات دارفور مواجهات متقطعة وتحولت إلى حرب عرقية في ولاية غرب دارفور التي فرّ غالبية سكانها إلى تشاد المجاورة.
ويسعى الدعم السريع إلى السيطرة على الجنينة عاصمة الولاية القريبة من الحدود التشادية باعتبارها عمقا نحو تشاد ومالي والنيجر والكاميرون، مما يحقق له أهدافا سياسية واقتصادية وعسكرية.
واستطاع ناظر قبيلة الزريقات التي ينحدر منها “حميدتي” وغالبية قواته أن يقنع طرفي القتال بعدم المواجهة وتمسّك كل طرف بقواعده قرب “الضعين” عاصمة ولاية شرق دارفور، وما تزال الولاية هادئة.
وهاجمت قوات الدعم السريع نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور 5 مرات للسيطرة عليها. وتعتبر المدينة الكبرى من حيث عدد السكان بعد مدينتي الخرطوم وود مدني في وسط البلاد. وهي المركز الاقتصادي الأثقل بعد العاصمة، وتصدّر منها السلع إلى أفريقيا الوسطى وتشاد وغرب أفريقيا، وبها مطار دولي ونهاية خط سكك حديد السودان.
كما تجرى مناوشات بين الجيش والدعم السريع في الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور والعاصمة السياسية التاريخية للإقليم، ومقر إقامة حاكمه.
ويكاد يقتسم طرفا القتال السيطرة حيث ينتشر الجيش في شرقها الذي تتمركز فيها مؤسسات الدولة، بينما يتمركز الدعم السريع في غربها، وتحرس قوات مشتركة من الحركات المسلحة -بناءً على اتفاق جوبا للسلام- أسواق المدينة.
وفي ولاية وسط دارفور التي تعتبر مركز قبيلة الفور، كبرى قبائل الإقليم، حاولت قوات الدعم السريع 3 مرات السيطرة على زالنجي عاصمة الولاية لكنها لم تفلح، ووقعت أعمال عنف وفوضى ونهب ولا تزال الولاية مضطربة.
خطط الدعم السريع
وقالت مصادر أمنية إن الدعم السريع لديه قوات في أفريقيا الوسطى قرب الحدود السودانية وفي مناطق متاخمة لمنطقة براو بأفريقيا الوسطى التي تسيطر مجموعة فاغنر الروسية على مطارها. وعبرت قوات كبيرة منها وسيطرت على منطقة أم دافوق الحدودية في جنوب دارفور بعد انسحاب الجيش منها لأسباب عسكرية.
وأوضحت المصادر في حديث للجزيرة نت، أن قوات الدعم السريع هاجمت أيضا منطقة “رهيد البردي” ثم “منواشي” في جنوب دارفور، وتسعى إلى محاصرة نيالا عاصمة الولاية لإسقاطها بعد فشل محاولات متكررة للسيطرة عليها واعتبرتها هدفًا مهمًّا.
وذكرت المصادر ذاتها أن قوات الدعم السريع انتشرت أيضا بقوات كبيرة في منطقة “أم دخن” في المثلث الحدودي مع تشاد وأفريقيا الوسطى، ومناطق “محمية الردوم” و”سونقو” و”حفرة النحاس” و”قريشو” المتاخمة للشريط الحدودي مع جنوب السودان.
وأفادت بأن قوات الدعم السريع سعت أيضا إلى جعل جبل عوينات في المثلث الحدودي مع ليبيا، قاعدة عسكرية لتجميع القوات والسلاح العابر من خارج الحدود، وقد تعامل الجيش بالطيران مع تجمعات لهم قبل يومين.
ورأت المصادر الأمنية أن الدعم السريع بسيطرته على مناطق في الشريط الحدودي مع أفريقيا الوسطى وليبيا وتشاد يخطط للحصول على إمداد عسكري من الخارج، وإلى إنتاج الذهب وتهريبه بالتعاون مع “فاغنر” من مناجم الردوم وسونقو للحصول على تدفقات مالية تتيح له الاستمرار في الحرب، مما يطيل أمدها.
تطورات جنوب كردفان
وفي خطوات مفاجئة، تطورت الأوضاع في ولاية جنوب كردفان، وبعد مقتل أحد جنود الحركة الشعبية- الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، شرقي “كادقلي” عاصمة الولاية، تمددت الحركة في 3 نقاط للجيش السوداني وسيطرت عليها وعلى منطقة أخرى بشرق الولاية وقطعت الطريق بين “الدلنج” ثاني كبرى مدن الولاية وعاصمتها.
وحسب مسؤول عسكري، فإن الحلو كان قد رفض التفاوض مع الحكومة لأنها كلفت حميدتي بمفاوضته، واستبعد التنسيق معه بسبب مواقف الحركة الشعبية المناهض له ووقوع مواجهات عسكرية دامية بينهما بعهد الرئيس المعزول عمر البشير. ولفت إلى هجوم قوات الدعم السريع على حامية للجيش في منطقة الدبيبات في جنوب كردفان أيضا.
وفي حديث للجزيرة نت، كشف المسؤول عن اتصالات جرت بين الحلو وقوى خارجية تدعم الدعم السريع لتوفير أسلحة ودعم مالي للسيطرة على مناطق في جنوب كردفان، بالتزامن مع تصعيد العمليات في إقليم دارفور ضمن سياسة “شد الأطراف” لإضعاف الجيش ومحاولة منعه من حسم معركة الخرطوم.
ووصف موقف الحلو بـ”الانتهازي” لأنه يريد تحسين موقفه العسكري مستغلاً انشغال الجيش بالقتال في الخرطوم، والحصول على دعم عسكري ومالي خارجي يمكنه من صرف أجور مقاتليه بعدما كان يعتمد على جنوب السودان الذي يعاني من أزمة اقتصادية.
وتسيطر الحركة الشعبية على مناطق واسعة في ولاية جنوب كردفان تُطلق عليها المناطق المحررة، وتؤسس فيها حكما مدنيا تحت سيطرة قواتها بعد نزاع 2011.
خلط الأوراق
ويرى الخبير العسكري محمد السماني، أن حركة عبد العزيز الحلو تسعى إلى التوسع وزيادة مساحة مناطق نفوذها وسيطرتها مستغلة حالة ضعف الحكومة الاتحادية وتركيز الجيش على معارك الخرطوم، وذلك لتحسين موقفها في أي مفاوضات مقبلة، كما تفكّر في فرض حكم ذاتي بمنطقة جنوب كردفان “جبال النوبة”.
وحسب الخبير العسكري، في حديثه للجزيرة نت، فإن قوات الدعم السريع بعد فشل أهدافها الرئيسية في حرب الخرطوم بالاستيلاء على السلطة وفقدان قواعدها ومراكزها وعدم حصولها على أي دعم سياسي، باتت على قناعة بأنها خسرت المعركة الرئيسية وتقاتل في العاصمة لإيجاد موقع في أي تسوية مقبلة.
ويعتقد أن الدعم السريع سيركّز في المرحلة المقبلة على إقليم دارفور رغم أن قواته ستقاتل في بيئة غير صديقة لها، وستستميت لاستمرار سيطرتها على مناجم الذهب التي تعتبر مصدر ثروة حميدتي والتي جنى منها مليارات الدولارات، وكذلك لإبقاء خطوط مفتوحة مع وراء الحدود.
ولفت الخبير العسكري السماني إلى أن حميدتي ما تزال لديه طموحات سياسية ويعمل على تعزيزها بالذهب، تجنّبا للمخاطر التي قد تواجهها أمواله في دول أخرى.
المصدر : الجزيرة
النور أحمد النور