انعقد المؤتمر رفيع المستوى لدعم الاستجابة الإنسانية في السودان في جنيف الاثنين الماضي بمشاركة مصرية وخليجية وأوروبية وأمريكية وأفريقية، حيث تم إقرار دفع 1.5 مليار دولار للسودان.
ولا شك أن هذا التحرك الإنساني مقدر من كل الدول، التي قررت تقديم الدعم الإنساني للسودان، لمواجهة المحنة الصعبة، التي يواجهها السودان منذ 15 أبريل الماضي، حينما اندلع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
التقديرات المبدئية تقول: إن حصيلة الضحايا تتجاوز ثلاثة آلاف قتيل، وستة آلاف جريح، وخروج نصف مستشفيات الخرطوم، وعددها 130 مستشفى، وكل مستشفيات غربي دارفور عن الخدمة.
عدد سكان السودان 49 مليون نسمة، والأمم المتحدة تقول: إن 25 مليون منهم يحتاجون للمساعدة، وهذا البلد كان واحداً من أفقر بلدان العالم قبل اندلاع الصراع الدموي، ويمكن تخيل كيف زاد هذا الصراع من حدة الفقر والأزمات والمشاكل إذ نجد أن هناك 2.5 مليون سوداني، تم إجبارهم على ترك منازلهم مع اندلاع الأزمة.
تقديرات الأمم المتحدة تقول : إن السودان يحتاج إلى ثلاثة مليارات دولار، للتعامل مع الأوضاع الصعبة طبقاً لستيفان دوغاريك الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، الذي كشف قبل أيام عن أنه من إجمالي 2.6 مليار دولار مطلوبة للاستجابة الإنسانية في السودان هذا العام لم يتم الوفاء إلا بـنسبة
16 % ، كما قالت ممثلة اليونيسيف إن أحد تعريفات الأزمة أنها تخص الأطفال بالأساس، باعتبارهم الذين يدفعون الثمن الأكبر منها، كما أشارت إلى أن هناك 13 مليون طفل بحاجة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، وناشدت جمع 100 مليون دولار بصفة عاجلة، لدعم وتوسيع نطاق الاستجابة الإنسانية للأطفال، خلال الشهر المقبل فقط.
تشير الأرقام إلى أن عدد الذين فروا من السودان للخارج يتراوح بين 600 و 700 ألف شخص، وعدد النازحين بالداخل نحو 2 مليون شخص، وحيث تؤكد السلطات المصرية أنها استقبلت حتى الآن 250 ألف سوداني منذ بداية الأزمة بنسبة تصل إلى 60 % من إجمالي عدد الفارين، إضافة إلى خمسة ملايين سوداني تقول مصر إنهم يعيشون فيها حياة طبيعية قبل اندلاع الأزمة.
ولا شك أن المأساة الأكبر تكمن في أن هذا الوضع الكارثي مرشح للتفاقم في الأسابيع المقبلة، مع تزامن دخول موسمي الأمطار ثم الجفاف الحاد في مناطق مختلفة بين يونيو الجاري وسبتمبر المقبل، وهو ما يعنى أن عدداً كبيراً من الطرق ستخرج عن الخدمة، وبالتالي هذا الأمر سيعيق تحرك قوافل المساعدة الإنسانية، ووصولها إلى مقاصدها ومستحقيها.
أما الواقع الأكثر سوءاً فهوعدم توفر ضمان مستوى الأمن والأمان لهذه القوافل حتى تصل للمحتاجين. وفي ظل القتال بين الطرفين من جهة، وظهور العديد من العصابات المسلحة، التي تهاجم المواطنين العاديين في بيوتهم، وكذلك السفارات الأجنبية، فإنه يصعب تخيل نجاح أي جهة في الوصول بالمساعدات إلى المحتاجين بصورة حقيقية، ما لم يكن هناك توقف كامل لإطلاق النار أولاً.
ومنذ اندلاع القتال في 15 أبريل الماضي وحتى يوم العشرين من يونيو الحالي تم الإعلان عن أكثر من سبع هدنات برعاية مختلفة، أبرزها السعودية والولايات المتحدة، ومعظم هذه الهدنات تم خرقها، والذي دفع الثمن الأكبر لكل ذلك هم المواطنون العاديون، والقصص عن هؤلاء تدمي القلوب، بعضهم فر من منزله طلباً للأمان سواء لدى أسرة قريبة، في منطقة هادئة بالسودان أو في بلد مجاور، وبعضهم تمسك بالبقاء في بيته، لأنه لا يملك بديلاً، لكنه يعيش في رعب دائم، والأسوأ أن هناك مئات الجثث لا تجد من يدفنها لانعدام الأمن، أما ما يحدث في دارفور خصوصاً مدينة الجنينة فهو مأساة كاملة، والتقارير الخارجة من هناك على لسان شهود عيان تقول: إن هناك ما يشبه الإبادة الجماعية، وبصورة تفوق ما حدث في رواندا وبورندي في بدايات التسعينيات من القرن الماضي.
السؤال الذي يطرح بعد كل ذلك، هل تجدي كل المساعدات الخارجية إذا لم يتوقف القتال، وهل هناك جدوى لمؤتمرات إعادة الإعمار الخارجية إذا كان من بيدهم مقاليد الأمر داخلياً يصرون على تدمير السودان بالكامل؟!
جريدة البيان