القاهرة: د. صلاح خليل
ليلة التاسع من ذي الحجة عندما كان حجيج بيت الله ينفرون من جبل عرفات اطهر بقعة في الارض متجهين الى مزدلفة للمبيت بها كنت انا واسرتي الصغيرة متجهين من منيل الروضة الى المريوطية في جنوب محافظة الجيزة..نفر الحجيج جميعا لا مدفوعين بعامل الهزيمة من معركة ولا مقبلين على حرب عوان وإنما نفروا آنسين مستأنسين فرحين مستبشرين يعلوهم وقار الخشوع… اما نحن اهل الخرطوم فقد نفرنا خائفين مذعورين غضبانين مدفوعين من حرب قامت بين الكاف والنون بين فئتين باغيتين يعلونا امل بالعودة سالمين..
مكثت في المنيل شهرا بالكمال والتمام.. ورغم ان كورنيش النيل الغربي والشرقي بكازينوهاتها كان على مرمى حجر من شقتنا الا انني آثرت الجلوس فيها إلا مرة واحدة مواسيا ومجاملا لآبنائي وبناتي الاعزاء جدا وما اصعب التنزه وانت بلا وطن حتى الكلام ما اصعبه وانت بلا هدف امامك المجهول..
لقد زرت القاهرة من قبل عدة مرات وهنالك فرق.. ذاك كازينو قصر النيل الذي يذكرني الحبيب (ابو حسام) غفر الله لهما وتلك اسكرابيه ايضا على مرمى حجر.. قضيت فيها احلى لحظات العمر في بداية الحياة.. وتلك حديقة الحيوانات زرتها مع الحاجة (ام حسين) غفر الله لها ولكن كيف التنزه وانت بلا وطن…
لملمنا كل ما نملك من عفش ليلة يوم عرفة واصبحنا متجهين الى المريوطية وانا لا ادري في اي الاتجاهات هي من موقعنا.. والحجيج يتجهون الى مزدلفة. كان سائق سيارة الاجرة يشبهنا في لون البشرة وكان يشبهنا في اللطف والمجاملة حتى ظننت في بداية الامر انه سوداني او من النوبة المصرية ولكني تاكدت بانه أسكندراني الاصل.
بدأ يواسيني بالدعاء للسودان واهله خيرا وان يحفظهم.. ثم دعا على الجنرالين بالهلاك… شكرته على لطفه معنا ومواساته لنا ورغم الالم الذي كان يعصرني والغصة التي كانت في حلقي والعبرة التي كانت تنتابني حاولت الثبات واستحملت كل الالام وقلت لرفيقنا السائق اللطيف ايام وتعدي وفرج الله قريب ونحن في طريق نفرتنا من المنيل الى المريوطية شاهدت كميات من بني وطني الذين اصبحوا بلا وطن وهم يفترشون في الحدائق العامة ويلتحفون السماء.. مررت بهم وانا ادندن مع نفسي
اغنية القامة مكي علي ادريس ( إليلم سالي جولنقسو)
(إليلم دوي جولنقسو)
سادل سالي جولنقسو..
اخيرا اصبحنا عابري الطريق بل اصبحنا ابناء سبيل ..
ربنا يجازي الكانوا السبب..
مَتى مِن طول ِنَزْفِكَ تَستَريحُ
سَلامًا أيُّها الوَطَنُ الجَريحُ
تَشابَكَت النِّصالُ عليكَ تَهوي
وأنتَ بكلِّ مُنعَطَفٍ تَصيحُ
وَضَجَّ المَوتُ في أهليكَ حتى
كأنْ أشلاؤهُم وَرَقٌ وَريحُ
سَلامًا أيُّها الوَطَنُ الجَريحُ
وَيا ذا المُستَباحُ المُستَبيحُ
تَعَثَّرَ أهلُه ُبَعضٌ ببَعض ٍ
ذ َبيحٌ غاصَ في دَمِه ِذَبيحُ..