في ليلة أقل جمالًا من ليلتنا هذه سوف تأتيننى إلى خيمتي زاحفة، إلى تلك الليلة يا فرجينيا” المشهد منصب تمامًا على رائعة الجمال فرجينيا التي جسدت دورها ليلى فوزي في فيلم “الناصر صلاح الدين”، يسرق صوت ذلك الفنان الجبار الذي يقف أمامها سمع المشاهدين انه العملاق زكي طليمات واحد من رواد المسرح العربي ومجدديه. مسرحي وسنيمائي ومخرج وصحفي، ناضل وبذل حياته من أجل قيام نهضة مسرحية حتى ذاع صيته خارج حدود مصر وتتلمذ على يديه العديد من جهابذة الفن المسرحي والأداء في مصر وبعض الدول العربية وعمل على إنشاء أول معهد للتمثيل في مصر عام 1930. تخرج على يده الكثير من أهم الممثلين في السينما والمسرح وقد أسس الفرقة القومية للمسرح عام 1935 وأسس المسرح المدرسي والمسرح الحديث وكان أول من أخرج أوبريت للفنون الشعبية،
.ولد “زكي عبد الله طليمات” يوم 29 أبريل عام 1894م بحي عابدين في القاهرة لأب ذو أصول سورية حيث كان جده من أسرة معروفة بالوجاهة في حمص بسوريا قد سافر إلى القاهرة بقصد التجارة واقام بها وأم مصرية من أصول شركسية.
وحصل على شهادة إتمام الثانوية العامة بالقسم الأدبي عام 1916م،
وفي العام التالي انضم إلى فرقة عبد الرحمن رشدي “المحامى” عند تكوين فرقته المسرحية، إلا أن فرقة المحامي سرعان ما تم حلها في يناير من عام 1921م وعقب حل “عبد الرحمن رشدي” فرقته المسرحية،فانضم زكي لفرقة جورج أبيض،
و كان زكى يكتب مقالات فى الصحف والمجلات ناقدا المسرحيات التى كانت تعرض فى ذلك الوقت، وكان أول مقال نشر له فى جريدة “المقطم” عام 1922، واستمر فى النقد والمشاكسة، حتى إنه هاجم جورج أبيض -وكان ينتمى إلى فرقته- وكانت النتيجة أنه ترك الفرقة، وبقى دون عمل، وبحث زكي عن عمل بالبكالوريا، فلم يجد عملًا إلا فى حديقة الحيوانات
بوظيفة كاتب بمصلحة وقاية الحيوانات،ويكتب طليمات بأن تجربته فى حديقة الحيوانات كانت مفيدة له كفنان مسرحى إلى حد بعيد، فكان يجلس لساعات طويلة يراقب القرود فى حركاتها وإيماءاتها وأشكال تقليدها لكل ما تراه، وكذلك كان يتأمل كل الحيوانات الأخرى فيما تفعل، ويحدد ردود فعل تلك الحيوانات عن الحب والكراهية والغيرة وخلافه، ولم يكن عمله انقطاعا عن الفن، بل كان اتصالا به ولكن بشكل آخر، وهذا يؤكد أن الفنان يستطيع أن يعيش حالته كيفما يشاء ووقتما يريد. ولكنه لم يستمر فيها طويلا، وفي نوفمبر 1925، سافر طليمات في بعثة لفرنسا لدراسة فن التمثيل والإخراج، وهناك تتلمذ على يد “ديني دينيس” ليعود من بعثته في أكتوبر 1928.
فى هذه الفتره تزوج زكى من الممثلة المسرحية، والصحفية المخضرمة روز اليوسف،فقال طليمات عن أول لقاء وجهًا لوجه دون أن تجمعهما خشبة المسرح، حيث ذهب إليها في بيتها بصحبة أحد كتاب المسرح، وكانت آنذاك ممثلة نابغة وشهيرة، لتفتح الباب وفي يدها سكين و«فحل بطاطس» لتبادره بالسؤال «تعرف تقشّر بطاطس؟»، ليتعجب طليمات، ويقول لها ما علاقة البطاطس بالتمثيل، فتجيب هي لما تعرف العلاقة بينهم ستصبح «ممثل صحيح»، ليكون لقاءهما التالي عند المأذون لعقد قرانهما، بعد لقاء أول فيه الكثير من المشاكسة وانجب منها ابنته امال
وتم تعيينه سكرتيرا لمدير الفنون الجميلة.تقلد “زكي طليمات” بعد ذلك العديد من المناصب حيث تولى وظيفة معاون بدار الأوبرا الملكية في ديسمبر من عام 1929م، ثم تم تعينه مشرفا إداريا ومدرسا للإلقاء بمعهد التمثيل عقب افتتاحه في نوفمبر من عام 1930م، ولكن هذا المعهد أغلق في صيف عام 1931م بحجة مخالفته للتقاليد والآداب.وفي عام 1934م عين “طليمات” مديرا لاتحاد الممثلين الذي ألف بدعم من الدولة لحل أزمة المسرح، ولكن الفرقة لم تستمر طويلا حيث كانت الدسائس والوقيعة سببا في فشل الفرقة وحلها حتى تم إنشاء الفرقة القومية المصرية -أول فرقة مسرحية تشرف عليها الدولة- عام 1935م وعُين مخرجا وعضوا للجنة الإشراف على الفرقة.كما عُين مديرا فنيا للفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى التي حلت محل الفرقة القومية في أغسطس من عام 1942م، وفى نفس العام أفتتح المعهد العالي لفن التمثيل العربي وعين “طليمات” أول عميدا له.وشارك رائد المسرح المصري في العديد من الإنجازات خلال مشواره الأدبي حيث سافر عام 1954م إلى تونس بدعوة من حكومتها للمشاركة في تأسيس الفرقة القومية، كما شارك في إنشاء معهد الفنون المسرحية بتونس، وفي عام 1961م عهدت إليه حكومة الكويت بتأسيس مسرحها القومي حيث عُين مشرفا عاما على مؤسسة المسرح والفنون بها، وبعد عودته من الكويت عام 1971م عين مستشارا فنيا للهيئة العامة للسينما والمسرح والموسيقي.إلى جانب الكتابة الأدبية والصحفية،
أخرج “طليمات” عددا من المسرحيات ومن أشهرها: “أهل الكهف”، “تاجر البندقية”، “السيد”، “نشيد الهوى”، “الفاكهة المحرمة”، “الشيخ متلوف”، “مدرسة الأزواج”، “أوبريت يوم القيامة”، “مدرسة النساء”، “الناصر”، و”حواء الخالدة”.
كما قدم العديد من الأعمال السينمائية، ومن أبرزها “من اجل امرأة” عام 1959م، و”بهية” عام 1960م، وفيلم “يوم من عمري عام 1961م والذي قام ببطولته الفنان عبد الحليم حافظ والفنانة زبيدة ثروت، وفيلم “الناصر صلاح الدين” عام 1963م الذي قام ببطولته الفنان احمد مظهر وأخرجه المخرج العالمي يوسف شاهين
.وكانت السخرية لا تفارق زكي طليمات حتى وهو في أقسى حالات الغم والكآبة، ويحكى انه وفي عهد الحكم الملكي والاحتلال الانجليزي لمصر تعرض لمحاربة شديدة لكنه صبر ولم ييئس من محاربة الملك والانكليز لمسرحه.ومن أجل مجابهة تلك الحرب لمسرحه تفتق ذهنه عام 1930م عن فكرة غريبة, حيث قام مع عدد من المسرحيين بتأسيس جمعية لدعم الحركة المسرحية أطلق عليها اسم “جمعية الحمير”، وجاءت تسمية الجمعية بهذا الاسم تحدياً للقصر الملكي والاحتلال الانكليزي، وإشارة إلى أن الحمار أكثر قدرة على التحمل وهم مستعدون للتحمل مثله، وضمت جمعية الحمير في عضويتها فنانين وكتاباً وصحفيين كباراً منهم طه حسين وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وأحمد رجب والسيد بدير وغيرهم.وتولى زكي طليمات رئاسة الجمعية عند تأسيسها وحددت الجمعية هدفها في الدفاع عن المسرح ضد ما يتعرض له من محاربة لكنها تحولت بعد إنجاز مهمتها هذه إلى جمعية خيرية لجمع التبرعات للفقراء
واستمرت الجمعية في نشاطها سنوات طويلة وانضم إليها أجيال من الفنانين والكتاب.
كان السادات زميلاً دراسيًا للفنان زكي طُليمات، وأنه تأثر كثيرًا بأسلوبه الخطابيّ في الإلقاء وادا الخُطب الرئاسية، إلا أنه بالرغم من ذلك، لم يسلم السادات من سخريته اللاذعة في مناسبة منحه الدكتوراة الفخرية مع يوسف وهبي، ومحمد عبدالوهاب، قبيل وفاته بسنوات سبع.
وفي مشهد جانبي، في استراحة مسرح سيد درويش يقف الثلاثة مع رئيس الجمهورية، لينفذ طليمات الرئيس السادات نكتة ثقيلة «الذي يستحق التكريم سيادتك، لأنك ممثل أحسن مننا كلنا»، حسب رواية أحمد سخسوخ، الناقد الفني والمسرحي، في مقال له بالإهرام.
من أهم الممثلين والممثلات الذين يدينون له بالفضل لتدريبه إياهم على فنون التمثيل والمسرح.
ومن بين هؤلاء، الفنانة فاتن حمامة، والتي كان أول ظهور لها وهي طفلة مع «محمد عبدالوهاب»، بلدغة مميزة ومحببة لكل من رآها، حفرتها في وجدان كل من شاهد فيلمها الأول كوجه واعِد له مُستقبل، لكن مما تدين به حمامة لزكي طليمات، هو اهتمامها، وإيلاءها الرعاية الفنية والاهتمام الخاص، حتى أنه من خلصها من لدغتها الشهيرة في حرف الراء، بتدريبها على الإلقاء، كإحدى تلامذة أول دفعة من معهد التمثيل الذي افتتحه طليمات بشارع نوبار، وضم شكري سرحان وحمدي غيث وفريد شوقي ونعيمة وصفي.
نال الفنان “زكي طليمات” العديد من الجوائز، أهمها: نيشان الافتخار من درجة كوماندور من الحكومة التونسية في عام 1950م،
وجائزة الدولة التشجيعية في الفنون من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1961م
.حصل على جائزة التفوق في فن الإخراج المسرحي.
بالإضافة إلى جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1975م،
ودرجة الدكتوراه الفخرية في نفس العام، وتوفي هذا الفنان العملاق في 22 ديسمبر من عام 1982م
أدواره السينمائية التي جسدها كانت قليلة جدًا فلم تتعد 12 فيلمًا،.
.#المؤرخ معتزسعد