قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنه يجب على الدول المجاورة للسودان أن ترفع فورًا جميع القيود على دخول الأفراد الفارين من النزاع الدائر في البلاد، وأن تكفل توفير سُبل الحماية والأمان لحوالي نصف مليون شخص سبق أن فرّوا.
ومن 9 مايو/أيار إلى 16 يونيو/حزيران 2023، أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 29 مدنيًا يواجهون الخيار الصعب ما بين العودة إلى مناطق النزاع التي فرُّوا منها أو البقاء عالقين على الحدود، حيث يُحتمل أن يظلوا هناك لفترة غير مُحددة، مع افتقارهم للإمدادات اللازمة للحفاظ على صحتهم وخصوصيتهم وكرامتهم.
وكان من بين الذين أُجريت مقابلات معهم أشخاصٌ في مدينة وادي حلفا، بالقرب من الحدود مع مصر، وفي ميناء بورتسودان، على البحر الأحمر، بالإضافة إلى أشخاص عبروا نقاط الحدود السودانية من مواقع مختلفة، وكانوا في طريقهم للسفر، أو يخططون للسفر، من خلال مواقع عدة، من بينها أديس أبابا في إثيوبيا، وجوبا والرنك في جنوب السودان، والقاهرة في مصر، ودبي في الإمارات العربية المتحدة، ونجامينا في تشاد.
وقال تيغري شاغوتا، المدير الإقليمي لشرق وجنوب إفريقيا في منظمة العفو الدولية إن “توفير ممر سريع عبر الحدود لجميع الفارين من النزاع وإتاحة سُبل التسجيل لطلب اللجوء فورًا من شأنه أن يخفف من الوضع الإنساني المزري على طول الحدود”.
فعلى سبيل المثال، كان عمر (اسم مُستعار)، 35 عامًا، في بورتسودان منذ أواخر إبريل/نيسان 2023، ولم يُسمح له بالمغادرة لعدم وجود جواز سفر معه. وقد قال لمنظمة العفو الدولية إنه كان قد تقدم للحصول على تأشيرة شينغن، وكان جواز سفره مع السفارة في الخرطوم عندما بدأت الحرب.
وتعليقًا على ذلك، قال تيغري شاغوتا: “ينبغي على الدول ألا تمنع دخول الفارين من النزاع بسبب افتقارهم لوثائق الهوية أو تأشيرات الدخول. ومع ذلك، أدى تطبيق قواعد دخول صارمة على مَن لا يملكون وثائق سفر أو تأشيرات صالحة إلى وضع عقبات مستعصية أمام أشخاص في أمسِّ الحاجة للأمان، مما جعلهم عُرضة لمخاطر شديدة.
“وما زال عددٌ لا حصر له من الأشخاص الذين نجحوا في عبور الحدود يواجهون حالة من عدم اليقين والضعف، فهم يصادفون صعوبات في مباشرة إجراءات طلب اللجوء، أو الحفاظ على وضعم القائم، أو الأمرين معًا، لعدم قدرتهم على تجديد وثائق هويتهم التي انتهت صلاحيتها أو أوشكت على الانتهاء”.
ويتفاقم الوضع بالنسبة للفارين من السودان بسبب منع بعض طالبي اللجوء من الدخول، مما يجعلهم عُرضةً للرجوع إلى المخاطر نفسها التي كانوا يحاولون الهرب منها.
فخلال عملية الإخلاء في بورتسودان في إبريل/نيسان 2023، رفضت بعض الدول التي استجابت لإخلاء مواطنيها أن تُدرج السودانين الذين لا يحملون تأشيرة دخول ضمن عملية الإخلاء.
كما أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع شهود عيان وموظفي إغاثة، وحلَّلت وثائق ومقاطع فيديو وصورًا وتقارير من منافذ إعلامية ومنظمات غير حكومية في المنطقة من أجل التحقُّق من التفاصيل.
“فحص أمني” على أيدي السلطات السودانية
كان يتعيَّن على الفارين من النزاع في الخرطوم ومختلف مناطق البلاد أن يمروا خلال سفرهم عبر عدة حواجز للطرق ونقاط للتفتيش، حيث تعرضوا للمضايقة والتهديد على أيدي السلطات، مما حدَّ من قدرتهم على الخروج من السودان بسهولة.
وتلقت منظمة العفو الدولية أنباء تفيد بارتفاع ملحوظ في تكاليف السفر من الخرطوم إلى الحدود، مما يحد من الفرص المتاحة أمام من يحاولون الفرار من العنف.
وقال ثلاثة ممن أُجريت معهم مقابلات إن الجيش السوداني استجوبهم بينما كانوا يحاولون مغادرة البلاد، ما عرقل مغادرتهم وتسبب في تأخير خروجهم عند الحدود. وقال أحد الذين أُجريت معهم مقابلات لمنظمة العفو الدولية: “أخبرني مسؤولو الهجرة في مدينة القضارف [بالقرب من الحدود مع إثيوبيا] إنني يجب أن أقابل ضابط الاستخبارات العسكرية. واستجوبني الضابط لمدة ساعتين، حيث سألني عن سبب مغادرتي، وعن عملي في الخرطوم، وعما إذا كنتُ مُستعدًا للانضمام إلى الجيش. قلتُ إنني أرغب في العبور إلى إثيوبيا بحثًا عن الأمان. وعندئذٍ، سُمح لي بعبور الحدود”.
وأُجبر علي (اسم مُستعار)، 26 عامًا، على استدعاء شاهد لتأكيد هويته لدى خضوعه للفحص أمام ضابط أمن سوداني، وطُلب منه سداد مبلغ مالي للحصول على تصريح أمني للعبور إلى إثيوبيا من معبر القلابات. وقد دفع حوالي ألفي جنيه سوداني (حوالي أربعة دولارات أمريكية) مقابل خدمة كانت مجانية من قبل.
أزمة إنسانية
تفيد المعلومات التي جمعتها المنظمة بأن مئات الأشخاص المنتظرين على طول نقاط العبور الحدودية في القسطل وأرقين بالقرب من وادي حلفا تسببوا في إثقال كاهل المرافق المُتاحة على الحدود والبلدات المتاخمة لها.
فعلى سبيل المثال، قال عثمان (اسم مُستعار)، 30 عامًا، إن العالقين عند الحدود في وادي حلفا اضطُروا إلى قضاء الليل في العراء بدون مأوى ملائم وبدون ماء أو طعام. وأدى عدم وجود مرافق أساسية، مثل المراحيض والمياه النظيفة، إلى خلق بيئة غير صحية، مما يشكل مخاطر عديدة، وخاصةً على كبار السن والأطفال. ورغم إقرار عثمان بوجود الصليب الأحمر على الجانب المصري من الحدود، فقد لاحظ غياب المساعدات الطبية على الجانب السوداني.
وفي مقابلة مع منظمة العفو الدولية، قالت عميرة (اسم مُستعار)، 30 عامًا، إن أفراد أسرتها ناموا خارج الحافلة لمدة ثماني ساعات أثناء انتظارهم من أجل السماح لهم بالمرور عبر نقطة التفتيش الحدودية.
وأضافت عميرة قائلةً: “وصلنا ليلًا. ولدى وصولنا كانت الحدود المصرية مُغلقة. واضطُررنا إلى النوم في العراء. وظل أفراد أسرتي عالقين عند معبر أرقين الحدودي لأكثر من ثلاثة أيام من دون إنهاء إجراءاتهم. ولم تكن هناك مساعدات طبية، ولا مياه للمرحاض.
السلطات المصرية تفرض قيودًا إضافية
استقبلت مصر أكبر عدد من الفارين من النزاع في السودان، حيث دخل مصر ما يزيد عن 250 ألف مواطن سوداني بحلول 26 يونيو/حزيران 2023، وفقًا لما ذكرته وزارة الخارجية المصرية.
وتفيد معلومات جمعتها منظمة العفو الدولية بأن السلطات المصرية بدأت، اعتبارًا من 10 يونيو/حزيران 2023، في مطالبة جميع المواطنين السودانيين بالحصول على تأشيرة دخول صادرة من القنصلية المصرية في وادي حلفا أو في بورتسودان، وعلَّلت ذلك بالحاجة إلى التصدي لعمليات تزوير تأشيرات الدخول، وإلى استيعاب توافد المواطنين السودانيين إلى مصر بصورة أفضل.
وحتى ذلك الوقت، ووفقًا للقواعد المعمول بها قبل اندلاع النزاع، كان يلزم الحصول على تأشيرات دخول للفتيان السودانيين الذين تزيد أعمارهم عن 16 عامًا والرجال دون سن الخمسين. كما كانت سلطات الهجرة في مصر، عند بدء الأزمة، تقبل وثائق السفر المؤقتة عند نقاط العبور البرية من السودان إلى مصر بالنسبة للنساء والفتيات والفتيان دون سن السادسة عشرة والرجال ما فوق 50 عامًا.
إلا إن السلطات المصرية توقفت عن التعامل على هذا النحو من دون سابق إنذار يوم 25 مايو/أيار 2023، مما أدى إلى مزيد من الفوضى، وتأخير شديد، واكتظاظ عند المعابر الحدودية. كما تراجعت مصر عن اتباع ممارسات سابقة كانت تسمح بدخول المواطنين السوادنيين الذين يحملون جوازات سفر منتهية الصلاحية ومُددت صلاحيتها لستة أشهر وتسمح بإضافة الأطفال على جوازات سفر والديهم.
وبموجب قرار آخر يعود إلى 29 مايو/أيار 2023 واطلعت عليه منظمة العفو الدولية، وضعت السلطات المصرية شرطًا إضافيًا للحصول على التصريح الأمني بالنسبة للفتيان والرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 عامًا و50 عامًا، ممن يدخلون مصر عبر مطار القاهرة الدولي. وبمقتضى السياسة الجديدة، ينبغي أن يكون رقم التصريح الأمني مطبوعًا ومؤرخًا على تأشيرة الدخول من أجل السماح للشخص بدخول مصر.
كما تلقت منظمة العفو الدولية أنباءً مقلقة عن منع السلطات المصرية بعض مواطني سوريا وإريتريا الفارين من السودان من الدخول عبر الحدود البرية. وقال أحد الشهود للمنظمة إن بعض الأشخاص مُنعوا، في أواخر إبريل/نيسان 2023، من الدخول عبر الجانب المصري من معبر أرقين الحدودي لأنهم كانوا يحملون وثائق منتهية الصلاحية، مما أدى إلى تفريق بعض العائلات.
وذكرت وسائل إعلام مصرية، يوم 7 يونيو/حزيران أن السلطات تسعى إلى الإسراع باعتماد قانون جديد لطلب اللجوء. ولم يُعلن بعد مشروع القانون، ولكن بعض الأنباء تشير إلى أنه بموجب المشروع المقترح سوف يتعيَّن على جميع طالبي اللجوء واللاجئين في البلاد التسجيل لدى السلطات وتقنين أوضاعهم في غضون ستة أشهر من بدء سريان اللائحة التنفيذية للقانون.
الاستجابة لأزمة اللاجئين على المستوى الإقليمي
توفر منظمات محلية ومنظمات ذات قيادات محلية الدعم للسودانيين الفارين، وخاصة بطول الحدود بين السودان وجنوب السودان والمناطق الحدودية بين السودان وتشاد. ويؤدي الافتقار الحالي لدعم المجتمع الدولي إلى تفاقم الوضع الهش أصلًا نظرًا لاستنفاد الموارد المحدودة المتوفرة للجماعات المحلية ما بعد الحدود.
ففي تشاد، تقدم منظمات إنسانية الماء والطعام والمساعدات الصحية والمأوى لما يزيد عن 120 ألف سوداني عبروا الحدود منذ بدء النزاع. كما استقبل جنوب السودان مؤخرًا حوالي 129 ألف شخص من السودان.
وبحلول 27 يونيو/حزيران، كان قد تم توفير 13% فقط من الأموال التي طلبتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والبالغة 566,4 مليون دولار أمريكي، من أجل متطلبات الاستجابة الإقليمية لأزمة النازحين من السودان.
وقال تيغري شاغوتا إن “منظمة العفو الدولية تدعو الدول المجاورة للسودان إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي للاجئين، وذلك بفتح حدودها أمام الفارين من النزاع المتصاعد”.
“ويجب على جميع الدول رفع القيود التي تعوق دخول جميع الأشخاص الفارين من السودان بشكل فوري وآمن وكريم من دون تمييز، وضمان إتاحة السُبل من دون أي قيود أمام جميع طالبي اللجوء لمباشرة إجراءات عادلة وفعَّالة لطلب اللجوء، وللحصول على مساعدات إنسانية”.
“كما يبنغي على السلطات المصرية ضمان أن تكون القوانين والقواعد المقترحة لتنظيم عملية طلب اللجوء في البلاد متماشيةً بشكل كامل مع القانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وللاجئين”.
خلفية
وفقًا لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوجد حاليًا ما يزيد عن 563 ألف شخص عبروا الحدود بحثًا عن الأمان والحماية من الأزمة الجارية في السودان. وقد أشارت جماعات إنسانية بادرت بالاستجابة إلى الوضع في السودان داخل البلاد وخارجها إلى الوضع الإنساني المزري، وشدَّدت على الحاجة الماسة للمساعدات والدعم بشكل فوري.
للمزيد من المعلومات، يُرجى الاتصال بالمركز الإعلامي لمنظمة العفو الدولية:
الهاتف: +44 20 7413 5566
البريد الإلكتروني: press@amnesty.org
تويتر: @amnestypress