كنت في صباي اقف في محطه شندي اتفرس في الركاب من جميع الاجناس واتوقف امام عربه السكه حديد ويقف عليها فراش يلبس جلبابا ابيض وحزاما اخضر ويقف بوقار امام هذه العربه التي كانوا يسمونها الاسطرارطور ولا اعلم عنها شيئا غير انني اشاهد بعض الركاب خلال الزجاج وامامهم زجاجات البيرة او ليمونادة السكة حديد المميزة في شكلها ونحن في الصبا في الاقاليم نلعب لعبه البلي، ولكن ليس لدينا بلي زجاج ولكن نلعبها بغطاء الزجاجات ( الفريد) ونطلبها من ذلك الفراش الوقور امام العربة، وبكل كرم يدخل العربة وياتي لنا بكميات منها ونحن نثمنها ونلعب بها، وحين كبرت واشتغلت مع شركه انجليزية ركبت القطار في الدرجه الاولي والنوم، وعرفت طريقي الي هذه العربة التي كنت لا اعرف فيها غير انها كنز بغطيان الزجاج، ولكن هنا في هذه العربة الكبيرة فيها اعظم مطعم، وكم وجدت فيه خدمات رهيبة، وحين تاتي ساعه الوجبات يمر الفراش علي ركاب الدرجات النوم والاولي ويقرع جرسا من النحاس يعلم بها الركاب ان ساعة الوجبة جاهزة.
وكنت دائما في سفري وخصوصا حين ترسلني الشركة الى اي فرع من فروعها المنتشرة في كل السودان وطبعا علي حسابها فكنت من ركاب الدرجات الاولى وكم اكلت فيها.
واوصفها لكم للجيل الجديد فانها حقا كانك في ارقي المطاعم الاروبية، فكنت تجلس وامامك الفوطة التي تضعها في صدرك والشوكة والسكين والمعلقة، وبضعة صحون فيه علامه السك
حديد SRوياتي الفراش ويقدم لك حساء ساخنا واول ما تنتهي فهو يراقبك ياتي لك بوجبه ومعها سلطه فاخره والوجبه تكون احيانا سمكا فاخرا من العجل المحمر او مطبوخ بلماينز اولحوم بارده وسلطه لن تجد مثلها واول ما نتنهي ياتي نفس الفراش ويحمل من تبقي من الصحف الفارغه وياتي بالحلو واحيانا يكون بطيخ بارد او شمام ولهم كيكه اسمها (Bead Pudding) حتي الان لا اعرف ترجمتها ولكني كنت احبها وهي عباره عن لب الخبز مغمر بالذبده والعسل او السكر ولها طعم فاخر لا يعلو عليه شيء اخر.
وكانوا يقدمون الخمور دائما بعد الساعه 12 بعد الظهر، ولن يقدم اي مشروب كحولي قبل هذه المواعيد، ومشروبات مرطبات السكه حديد وهي الليمون المميز وليمونادة وشراب الجنزبيل، وكنا في ذلك الزمن نتمتع في ليالي السفر، وهم يقدمون لنا كاسا من الجن المخلوط مع الجنجيره، والثلج وجميع انواع البيره والويسكي وو.
في هذه العربة لا يدخل غبار ، فانها كانت محصنة ونوافذها الزجاجية معتمة حتى لا يراك من بالخارج الا الكاد، وكانت ايضا مكيفة قبل ان ينتشر التكييف في ذلك العصر ،فكانت مزوده بمراوح فوق كل مائدة.
كانت السكة حديد حقا في مستوي رفيع مثل اي دوله اروبية وحتي غرف النوم او الدرجه الاولي مزودة بصحن بغسل الوجه واليدين، ومراتب وثيرة من دورين والاولى نفس الوضع اخر راحة، والسفر بالقطار كان مريحا الي اي مكان تمتد فيه القضبان رغم تغيرات الطقس والامطار والسيول، وكانت القطارات تسير في مواعيدها، وبل كان عمالها في كل مكان علي امتداد القضبان علي استعداد تام لتصليح الخطوط فلهم عمال الدريسة، ولهم ورش علي امتداد الخطوط في المدن الرئيسية.
ايام وذكريات عاش فيها السودان متقدما كل الدول الافريقية.