كل متابع للشأن العام لا شك يُدرِك أن الشارع قد قال كلمته بوضوح تام ، و أنه قد أثبت رفضه لما حدث من تطورات إنقلابية ، و من إنتكاسة ثورية.. و كذلك أبان الشارع عدم رضائه عن ما سبق ذلك من تقاعس في إدارة الدولة، و ما عانته البلاد من مناورات و تجاذبات سياسية فردية ومؤسسية. ليس هذا فحسب ، بل إن الشارع أبدى تطلعاً مكتوماً لفتح صفحة جديدة تؤسس عملياً لحكمٍ مدنيٍ ديمقراطيٍ حقيقي، متحررٍ من أخطاء السنوات الاربع الماضية ، و من كل ما أدت إليه من سوء حالٍ و مآلٍ للوطن و المواطن في جوانب المعيشة و الأمن العام و الشخصي، و ما حدث من تقاعس و إهمال في مجالات التأمين الواجب لمسيرة ثورية أُرِيقت من أجلها دماء طاهرة ، و أُزهِقت في سبيلها أرواح شهداء أبرياء.
لقد أوصلتنا الحرب العبثية الحالية و ما فرضته من تشريد، و ما أحدثته من هزات مجتمعية و نفسية لم تستثني أحداً ، أوصلتنا في ظني إلى مرحلة وعي متقدمة و إلى ثورية عقلانية تجعل الكثيرين يدركون أن المطلوب للحفاظ علي ما تبقى من الوطن ، أرضاً و وجداناً ، أكبر و أعقد مما يمكن أن توفره المواكب وحدها. كذلك تبين للكثيرين أن التمترس حول الذات و الإنكفاء ، و التقديس المطلق للرؤى الذاتية ، ليس مجدياً . لقد أثبتت الأيام أن فردانية التنظيم ليست نهجاً مناسباً لحل أزمات البلاد المتصاعدة . كذلك وضح جلياً أن المواكب ،كوسيلة ضغط، مهمة جداً ، لكنها ليست كافية وحدها لإملاء المطلوب شعبياً و وطنياً . لا بد من تدعيمها بعمل سياسي متكامل و متوافق عليه ، تتمخض عنه قفزة ثورية جديدة أشد قوة و ضراوة، و أوضح رؤى و برامج . لكن لا بد من الإعتراف أن المطلوب لإعادة الزخم الثوري و لإنتشال الدولة من حفرة الحرب الحالية ، يتطلب بالضرورة مجموعة من توافقات ليست عصية ، إذا خلصت النوايا ، كما يتطلب إعداد وثائق سياسية و دستورية بديلة لوثائق الثورة التي دنسها العسكريون بإنقلابهم و حربهم ، و سكت المدنيون علي ما أصابها من تشويه و تعديات في جوبا ، و ما إعتراها من إضافات و إلغاءات مزاجية .
لهذا و لغيره مما أفرزته تطورات إنقلاب الخامس و العشرين من أكتوبر ، و ما هو قائم من حرب تدميرية في الخرطوم و دار فور و أجزاء اخرى ، و ما يبدو في الأفق من إرهاصات حرب أهلية ، فإني أعتقد أن الأمر يتطلب النظر بجدية و ثورية لما نحن فيه حالياً من مِحنَة وطنية تُهَدِّد بقاء السودان كوطن ، و تهدد السودانيين كأمة موحَّدة ذات تراث حضاري مشترك…
و الخطورة الماثلة تحتم تواضع الجميع، مقاومين و أحزاب و مجتمع مدني ، و تناديهم العاجل و الجمعي للم الشمل ، و للتحاور بعقل مفتوح تحت رايات شبابية ثورية قومية ، لمواجهة الواقع الردئ الماثل تحت رايات وطنية و قومية عامةتستهدف:-
١- توحيد قوى الثورة الأصلية، و توسيع ماعونها شبابياً و سياسياً و مجتمعياً، مع تأمينها من التغلغل الإنقاذي .
٢-وضع ميثاق سياسي جديد يتراضى عليه الجميع، يستوعب تجربة السنوات الأربع الماضية ، و يأخذ في كامل الإعتبار الرؤى الثورية الشبابية ، و المستجدات المحلية و الإقليمية و العالمية.
٣- وضع وثيقة دستورية جديدة تغطي ثغرات الوثيقة الحالية، و تُصَمَّم بحيث تكون القانون الأعلى للدولة خلال الفترة الإنتقالية.
٤- تقييم و تقويم الوضع الدستوري لإتفاقية جوبا.
٥- البحث في إمكانية الوصول إلى صيغة مُعَدَّلة من دستور عام ٢٠٠٥م تكون بمثابة مسودة لدستور دائم للبلاد يقره لاحقاً مجلس تشريعي ثوري ، و يجيزه الشعب عبر إستفتاء عام.
٦- التوافق علي رئيس وزراء جديد يشبه الثورة و يقود البلاد خلال فترة إنتقالية، يُتَفَق عليها ،و بمجلس وزراء شبابي مستقل.
٧- النظر في جدوى تكوين مجالس إستشارية للوزراء.
٨-التوافق علي رمزية سيادة الدولة.
٩- التوافق علي هيئة تشريعية شبابية الهوى و نوعية التكوين .
١٠- وضع محاور أساسية يهتدي بها مجلس الوزراء في تصميم برامجه و سياساته الاقتصادية و الخارجية و المجتمعية.
ليت شباب الثورة بكل توجهاتهم ، و بكامل إستقلاليتهم من أي إرتباطات سياسية ضيقة ، يلتقطوا القفاز ، و يطوروا هذا الإطار بالحذف و الإضافة ،وفق رؤاهم الشبابية ،حتى و لو عبر لقاءات إسفيرية إذا تعذرت اللقاءات الميدانية للظروف الأمنية السائدة ، و بإذن الله سيجعلوا مما يخرجون به واقعاً عملياً يبدد ظلام السائد القبيح ، و يعيد الثورة الى المسار الذي يليق بها و بشهدائها الكرام و ليعودوا هم ليكونوا المحور و الأساس لكل ما تحتاجه و ما تقوم عليه ثورة ديسمبر المجيدة ، و لتتفرغ الأحزاب لشؤونها التنظيمية و لمراحل ما بعد الإنتقال.
و الله و الوطن من وراء القصد.