احد أوجه معاناة الحياة في الخرطوم ومختلف اقاليم السودان ايام الصيف والخريف لسعات البعوض التي تحرم الفقراء الذين يكدحون طوال النهار من النوم ليلا في حيشان منازلهم البسيطة ، وحتى ميسوري الحال الذين يمتلكون أجهزة تكييف وشقق فاخرة فإن قطوعات الكهرباء تحيل لياليهم ونهاراتهم جحيما، والمشكلة ليست في السهر بل في الملاريا اللعينة وحميات أخطر منها ينقلها البعوض انهكت أجساد السودانيين والسودانيات ودمرت صحتهم بمضاعفاتها ، عندما نتساءل ما هي المعضلة في مكافحة البعوض والأمر لا يكلف سوى عمل منظم في اصحاح البيئة وتوفير عدد من طائرات الرش تكون الاجابة دائما عدم توفر ميزانية لطائرات رش البعوض انقاذا لنا من الأمراض ورفقا باطفال رضع ومرضى وكادحين مرهقين محرومين من ساعات راحة خالية من لسعات البعوض!
ولكننا نرى الان وفرة في الطائرات المقاتلة التي ترش الموت والدمار على رؤوس المساكين ووفرة في التاتشرات والمدافع التي توزع الموت في الطرقات!
فهل يا ترى الطائرات المقاتلة والتاتشرات والمدافع والدبابات ارخص من طائرات رش الباعوض؟ ام ان حياتنا هي الارخص والاخف في موازين لوردات الحرب ؟
ما السبب في ان المال متوفر بكثرة لقتلنا وتدمير بلادنا ولكنه شحيح او معدوم عندما نحتاجه لصحتنا او تعليمنا او نظافة بيئتنا؟
والمأساة أننا رضينا بكل هذا الشقاء ولكن وحش الحرب الدائرة الان جعلنا نشتاق إلى تلك الحياة الصعبة التي كنا نعيشها! فهي بكل منغصاتها كانت افضل بما لا يقاس من جحيم الحرب وكنا نأمل في تغييرها إلى الأفضل بصبر ورضا كنا نرغب في تسلق جبل النجاح خطوة خطوة فحرمونا حتى من عناء التسلق!
لماذا تتوقف المدارس والمستشفيات والمصانع عن العمل في بلادنا لعدم توفر المال ولا تتوقف طاحونة الحرب لذات السبب؟
لماذا لم نسمع يوما بنفاذ مخزون البمبان وعدم توفر المال لشرائه؟ لماذا كانت هناك وفرة في البمبان لدرجة رشه بكثافة ادت الى قتل العشرات!
يبدو أننا نحن البعوض والذباب من وجهة نظر الوحوش الناهبين لمواردنا والمتحكمين فيها، نحن الحشرات التي تباد سواء رفعنا صوتنا جهارا في المظاهرات زمان السلم او جلسنا في منازلنا قاطعين النفس والحركة زمان الحرب ! في الأولى يقتلنا الرصاص مع سبق الاصرار والترصد وفي الثانية يقتلنا الرصاص الطائش والقذائف والشظايا العمياء إذ ليست حياتنا سوى (بخشيش) في صفقة تقاسم غنائم السلطة فوق انقاض الوطن واشلاء المواطن!
وبعد كل ذلك يحدثوننا عن معركة الشرف! ومعركة الأمة!
انها معركتكم انتم يا كيزان مع الدعم سريع!
اما نحن فشرفنا هو مغادرة وضعية البعوض والذباب التي حشرتنا فيها وحشيتكم وانانيتكم المتسفلة!
وحتما سنغادرها بخارطة طريق نرسمها بانفسنا نحو دولة مدنية ديمقراطية محور عملها تكريم المواطن والنهوض به.
لا والف لا للحرب