حين القتلةُ كانوا يصطرعون،
لم تكن أسلحتهم موجهةً إلّا إلينا.
وحين كانوا يختبئون،
لم تكن أنت في قَبْوٍ أو” بدرون”!
كُنْتَ وسط أهلك، عُزّلاً كانوا، وكُنْتَ.
سلاحُكَ قلَمُكْ، أكثَرُ فتكاً وأمْضَى سِنانْ.
تَتَقَطَّرُ منه الرحمةُ للضعفاءْ.
يُدَاوِي جرحاهم ويواسيهِمْ ويعلَّمُهُم ويَصُدُّ مَكَايِدَ مَنْ كَادَ لَهُمْ، يتقطّرُ مِثل حليبٍ مِنْ أُمٍّ في شَفَتَيْ طفلٍ غَرْثانْ!
يا لله!
كان حَرِيّاً بالقتلة أنْ يصْطَُّفوا خارج مخبئهم. واجبهم كان بأن يحموك وأنت تُرَتِّبُ في أوْراقِكَ تَنْشُرُ كُتُباً وصَحَائِفَ كانت تُنْقِذُهم من وحْشِيَّتِهم وتُؤَنْسِنُهُمْ، وتعيد إليهم بعْضَ حياءٍ افتقدوه!
لكنَّهُمُ اخْتبأوا يا صاح، اختبأوا، اختبأوا…
في القَبْوِ، وفي “البدرون” وبين الجرذان!
تركوا الميدان!
تركوهُ لأجْنادٍ ساقوهم كالقطعان إلى محرقةٍ لا تُبْقِي منهم أحداً!
موتٌ لا يعنيهم. موت مجانيٌّ، عبثيٌ، مأساويٌّ، موتٌ، (لا يعرف مقتولٌ فيه مَْن قاتِلُهُ ومَتَى قَتَلَهْ)!
يا لَلْجُبْنِ، ويا للخسِّةِ، يا للعاْر!
يخشون الموت وهم صُنّاعُ الموت ومُحْتَرِفوهُ، ونعلم أن الموت سيُدْركُهُم ومُلاقِيهِم حتَّى لو كانوا في ..!
حتى لو كانوا….!
لَكِنْ جَبُنُوا وَأَوَوْ …!
ليس إلى الخندق والثكنات، وحيثُ يكون الجُنْدُ المحترمون!
ولا لملاقاة الأعداء، أليْسَتْ تلك وظيفَتُهُمْ!
عجباً، ها نَحْنُ، وقد صَرْنا نحنُ الأعداءْ!
ها نحنُ وقد صِرْنا نَحْنُ الخونة!
قيل لنا،
يجب علينا أن نتسلَّح وندافع عن أنفسنا!
أو بالأَحْرَى لندافِعَ عَنْهُمْ هُمْ!!
يا للخُذْلان!
ألَيسُوا هُمْ مَنْ اطْعَمْناهُم مِنْ قُوتِ الأطفالِ نُؤَهِّلُهُم لحمايتنا؟ خانونا، كالعهد بهم، وكما فعلوا من قبل!
وباعونا بالثَّمَنِ الَْبَخْس!
باعونا، باعوا الوطن، كما باعوا أجزاءً منه ومن قبل وباعوا!
باعوا باعوا …!
(هاهُمْ أُلاءِ يحرقوننا، مرّةً أخرى،
وهاهم ينظِّفون الوطن مِنَّا، للمشترين الجُدُدْ!)
سَتَطَأٌ يا صاحِ بعرجائك هذي خضراء الجَنَّةْ!
جنَّةَ وطنٍ ديمقراطيٍّ حُرْ!
مدنيٍٍِّ صِرْفٍ،
لا يأتيه الباطِلُ من بطش العسكر بين يديه ولا من خلفه، لا يتسلَّطُ طاغيةٌ فيه، ولا سفّاحٌ، كُلُّ بضاعته وهْمٌ، يحشُو الفِكْرَ رصاَص القَهْرِ، ومَزْهُوٌّ بقنابل يطلقها لخرابٍ يسري في دمه، يُسْرِفُ في حرق الأخضر واليابسْ، ويقهْقِهُ في صلَفٍ مغرورٍ، نيرون على تلَّةِ روما المحترقة!
ينضج قِدْرُ الوطن على نارٍ حامية لتذوب عناصره في عنصره السوداني الأرحب والأوحد!
بقبائله وتنوُّعِهِ، ولُغاهُ، وسحنات وجوهٍ مختطفٍ كُلَّ الألوانْ!
قد لا نشهد ذاك اليوم، ولكنّ بشائره في الأفق تلوح.
بشائره في الُأفْقِ تلوح.
شبابٌ مِقْدامٌ بصدورٍ عاريةٍ لا يتزَحْزَحُ عن سلميَّةِ مَنْهَجِهِ، رغم رصاص الغَدْرِ وأقْنِعَةِ التَّخْوينْ.
لا يتزَحْزَحُ أبداً عن سِلْمِيّتِهِ، وبراياتٍ بَيْضَاءَ يدُكُّونَ حصونَ البَغْيِ شبابٌ ممْتلِئٌ بالأيمان ومُحْتَشِدٌ بالصَّبْرِ ومَوْعُودٌ بالنَّصْر.
شبابٌ يَعْرِفُ، يَعْرِف.
يعرف أكثر مما يتصوَّرُهُ الأعْدَاءْ!!
قَدْ لا نَشْهَدُ ذاك اليوم، ولكِنّ بشائِرَهُ في الأفْقِ تلوح.
بشائره، يا صاح، تلوح!
بشائره في الُأفْقِ تلوح!!
عالم عباس / جدة / يوليو/2023