في رثاء العالم الفحل عمر محمد الحسن شاع الدين رحمه الله رحل عنا بعد صراع طويل مع المرض نازله بعزائم مثقف صلب العود، شم العقائد، بهي الطلعة في التأليف والمعشر والزمالة. وأدناه تجد بعض كلمة كتبتها في مقدمة كتابه المناقرات: خلافات ومراجعات في العامية (2005). أكرمني بالإذن لكتابة مقدمة لبحر معرفته المتلاطم. فتحنن عليه ربي بالشآبيب السخية.
تعلق قلبي لفظة عربية
عمر محمد الحسن شاع الدين، المناقرات: خلافات ومراجعات في العامية، هيئة رعاية الإبداع العلمي، الخرطوم، 2005.
طلب مني الدكتور عمر محمد الحسن شاع الدين أن أقدم لكتابه “المناقرات: خلافات ومراجعات في العامية.” وهذا تشريف وتكليف أطلعني على كتاب قيم أفدت منه فائدة جزيلة. وهذا نص المقدمة.
لا أعرف ذا ولع باللغة العربية في الجيل العاقب للشيخ الطيب السراج (1893 -1963) والدكتور عبد الله الطيب مثل الأستاذ الأمين البدوي وصاحب هذا الكتاب: عمر محمد الحسن شاع الدين. وفيهما معاً كلف بها وشغف بجمالها وأسرار سحرها ذكرني بما أمتاز به الشاعر حسين منصور، أستاذ التيجاني يوسف بشير. فقد حرس الحسين لغة الضاد من أن تجرفها عجمة المستعمر ومن تبعه من المقرِدين أي مقلدة الرغب. فقال في حب علومها وأساليب تلقيها ما لم يسبق اليه:
وما نبتغي غير درس العلو م والفقه في ديننا اللازم
معنعنة فيه أقواله فلا خوف من كذب الزاعم
فعن مالك الفقه عن نافع وعن أسلم الخير عن سالم
فأنظر كيف جعل من العنعنة التي استرذلها المحدثون طريقاً الي النفع والخير والسلامة . . . الي مالك الفقه.
نهل البدوي علم العربية من شناقيط كردفان، فتأمل. أما عمر فقد تشرب العربية من
والده المرحوم محمد الحسن شاع الدين التاجر بمدينة أم روابة. وقد نشأ عمر في رغد من اللغة. فكان والده لا يقتني مجلة الرسالة لصاحبها أحمد حسن الزيات، التي افتتن بها جيل الحركة الوطنية في الثلاثينات والأربعينات، فحسب، بل يشارك بالكتابة فيها ما وسعه أيضاً. فقد علق في عددها 908 من سنتها الثامنة عشرة (27-11-1950) على رسالة من الشاعر العراقي عبد القادر رشيد ناصري يستصرخ وزير المعارف العراقية أن يهب لنجدته من سقم ما. وقد زكى الزيات الرسالة بمناشدة الوزير أن يتعطف علي الشاعر. وقد أيد والد المؤلف تزكية الزيات بقصة عن تعطف الملك فاروق علي طالب سوداني مجد اسمه أحمد مدثر كانت نشرتها جريدة “كردفان” بالسودان. فقد كان الطالب يتلقى العلم في فرنسا وأضطر للعمل كحمال لمواصلة دراسته. ولما سمع به الملك تعطف عليه بمال كثير وبمنحة دراسية مكنته من تحقيق أمله في السفر الي سويسرا للحصول على الدكتوراه. ولذا اتخذ عمر والده مرجعاً في مبحثه هذا من مثل قوله “وكان والدي يري ذلك.”
“يناقر” أغلب هذا الكتاب منهج وحصائل أستاذنا الدكتور عون الشريف من علم عامية السودان العربية الذي نذر له أكثر همه وعمره. ويناقر على الخصوص قاموسه للعامية السودانية، المنشور في 1972 و1985. وقد اعتذر المؤلف عما يتبادر الي الذهن من الكلمة في دارج الاستخدام وخلص منها الي معني ذكي آخر يجده القارئ طي الكتاب. ومن رأي الكاتب أن عون توسع فيما اعتبره عامية سودانية توسعاً نسب معه كلمات صحيحة الأصول العربية الي هذه العامية المزعومة الهجينة من العربية ولغات السودانيين الأخرى.
هذا كتاب بديع. ووفرت مناقراته فرصة طيبة لمراجعة عقيدة هجنة ثقافة عرب السودان التي ذاعت في الستينات. وتجسدت هذه العقيدة في مصطلح “الأفروعروبية” الذي أثمر مدرسة الخرطوم في الفنون الجميلة، والغابة والصحراء في الشعر والثقافة عامة. وأثمر في الساحة السياسية والحكومية مصطلح “الجسر بين العرب وأفريقيا.” وهو جسر جاءتنا عن طريقه بنوك عربية ومعاهد دينية غرضها نشر الثقافة العربية الإسلامية. بينما لم يأتنا من أفريقيا عبر هذا الجسر شيء مذكور. وتتعرض فكرة “الأفروعروبية” في منشأها الستيني الي نقدات مركزة. منها ما ظل يقوم به الدكتوران عبد الله بولا وحسن موسي في مقام الفنون الجميلة. وقد اتفق لي ان أخذت على مدرسة الغابة والصحراء مآخذ معلومة تثير جدلاً واسعاً على أيامنا هذه.
وبقية المقدمة في كتابي “خارطة الثقافة السودانية: خارطة طريق. الجزء الأول المقدمات” الصادر عن دار المصورات في 2022.
IbrahimA@missouri.edu