هذا الموضوع لا علاقة له بحربنا الأخيرة الدائرة حتى لو لامسها بشكل طفيف. ولكن مضمونه قديم. فمع بروز السلطة المعنوية لوسائط التواصل الاجتماعي استماتت هذه المحاولات لقتل هذا السياسي معنوياً، وتشويه صورة تلك الناشطة لدى العامة من خلال التركيز على نمط معين من أخطاء ارتكبتها، أو سوء تقديرات سياسية بذلها، أو مقولات جاءت على لسانها. وهذا القتل المعنوي – ويقال الأدبي- للسياسي الرمز يعتمد على تكثيف الهجوم عليه بانتظام عبر اتخاذ منصات اللايف في الفيس بوك، والكلب هاوس، وضخم مقالات، وتسجيلات ملتيميدية، وتزوير وقائع، ووثائق تنشر بكثافة في تطبيقي واتساب، وتويتر، ومواقع أخرى. وكل هذا الجهد التدميري تديره غرف ناشطة من مختلف أركان الدنيا، وتتناوب في تنفيذ خطتها ورديات صباحية، ومسائية.
ومع ظهور تطبيقات جديدة للإنترنت يُصعب اختبار مصداقيتها للمتلقي البسيط أصبحنا في زمن لا نميز فيه البتة بين الصورة الحقيقية، والمزورة، والفيديو الراصد للأحداث، والتصريحات. فهذه المنتجات التكنلوجية التي استعصى على البلدان وضع معايير لها – حتى مع ضجة انتوني غوتيرش حول مخاطرها المستقبلية – جعلت بيل قيتس في مقالته الأخيرة يقول بانتهاء مرحلة الوضوح، والدخول في مرحلة العتمة التي تسهم بسرعة في خلق الفوضى في الأذهان التي تمسك بتلابيها ميديا حديثة. إذ تجعل المتلقي شبقاً لما نسميها الشمارات التي تستهدف الفكرة، والشخص، في إطار يتفه اهتماماتنا الجادة حول القضايا المُشكل حولها. ومن ضمن هذه الشمارات التي تهبش قاع العقل يكون استهداف السياسي، والجماعات، والتحالفات السياسية التي تصدر عن فعل مناوي لأفراد، وجماعات، منافسة ناشطة هي الأخرى في المجال.
وقد لاحظنا بعد ثورة ديسمبر التي ذهبت بريح الحركة الإسلامية كيف أن منصات عديدة في الإنترنت جندت شخوصاً لاستهداف رموز الثورة، ومجهوداتها. لا بالشكل الذي يصوب أخطاءها موضوعيا، وإنما هو الاستهداف الذي يؤسس للقتل المعنوي للشخصية لتحجيم دورها، وعزلها عن التأثير، وإحباطها، وابتزازها بالتعريض لشخصيتها. فبدلاً من أن يبقى السجال مع هؤلاء الأشخاص المستهدفين معضداً لإصلاح خطواتهم السياسية، ونقد برامجهم حتى تنفتح على ومضات أخرى تمتنها لمصلحة الممارسة السياسية، يتعرضون إلى خطة محكمة للإرزاء بأشخاصهم، وآرائهم معاً. والآية التي تثبت ذلك أن هذا التهجم الشخصاني لا ينتهي عند المرة الأولى، وإنما يكون بالتوالي لشهور، أو سنوات، حتى يترسخ عند المتلقي مفهوم سالب، وكاره، لهذه الشخصية أو تلك. والعصفور الثاني لهذا الاستهداف هو استجابة بعض هؤلاء السياسيين لهذا الهجوم الذي يرهبهم حتى لا يظهروا في المشهد السياسي ما دام أن أي خطوة جديدة يتبعونها يدركون أنها تجر عليهم وبالاً يكسر همتهم في تعزيز الجهد السياسي.
إن اللغة الصدامية، أو العنيفة، التي يستخدمها هؤلاء الأفراد الشريرون الذين يستعيرون أسماءً، أو الجهات المتخفية، تلعب دوراً في تعميق هذا الابتزاز كما أن أحكامها القيمية الصمدية لا تتيح فرصة للأشخاص المستهدفين بالقتل المعنوي، أو الذين يدافعون عنهم، النزول لهذا المستوى المتدني في اختيار الألفاظ المسيئة. وبالتالي يستغل الأفراد المتنكرون بأسماء وهمية هذه الوضعية لاستمراء الهجوم الشخصي على رموز الثورة من خانة السعي لتحطيمهم لصالح علو كعب الجماعات التي هزمها التغيير، وأنهى ما سمي المشروع الحضاري. ويبلغ تذاكي هؤلاء الأفراد أنهم ينتحلون صفة الثورية لأجل استمالة أفراد ثوريين بأمل الوقوع في شرك الخطة لتدمير الثورة نفسها عبر رموزها. أي أن عمل هؤلاء الأفراد، وهذه الجماعات الشريرة، يتنوع فينتحلون صوت الثورة – وصوتهم الداخلي ضدها – كي يسهلوا مهتمهم في خداع كثيرين، ومن ثم تحريضهم لكره رموزهم الواقعين تحت تصورات كاذبة عنهم.
الملاحظ أيضاً أن خطط هذه الغرف الشيطانية تستثمر في الخلافات البينية الموضوعية لدى تياراتنا السياسية، وعليه تجد من السهل تورط أفراد ثوريين في الوقوع في فخ هذا الاستهداف، وبالتالي تراهم يحملون أوساخها، ويهيمون بها في كل وادٍ ملتميدي. أزعم أن التشظي الحادث لدى المكون المدني يعود إلى هذه الخطة الشيطانية التي جعلت ثوريينا يستجيبون لخطط هذه الغرف العدائية لضرب مكونات إعلان الحرية والتغيير بعضها بعضها، وضربها هي الأخرى مع المكون العسكري بعد توقيع الوثيقة الدستورية، حتى يسهل لكارهي الثورة خلق الفوضى السياسية، هذه التي قادتنا للحرب. وسيظل هذا الوضع قائماً – على الأقل وسط المكون المدني – حتى يستفيق قادته لإعادة بناء التحالف الثوري الذي أسقط الإنقاذ وفق شروط جديدة، والتي تأخذ بشكل إستراتيجي أهمية وجود المظلة التحالفية القومية أثناء الحرب، وكذلك بعدها.