لم تتوقع الحاجة (فردوس) أنها يومآ ستفارق منزلها قسرا على ظهر دفار من مدينة الكلاكلة إلى مسقط رأسها بمدينة دنقلا السير ، فعكفت (فردوس) منذ صلاة الفجر على تلاوة القرآن والتسبيح إلى شروق الشمس ومن ثم تبدأ في ترتيب منزلها بنظافة ورش الحوش إلى عمل شاي الصباح لأبنائها و ضيوفها تطوف على كل أهل الحي متفقدة ومباركة فعرفت وسط أهل الحي بالعفاف والكرم والأم الحنون ، ومنذ مغادرة بيتها بكته وهي تهدهد الدموع تلملم بعض ما يمكن حمله بالشنط خلال رحلتها شمالا وهي تغلق باب الشارع بالمفتاح وتؤمن ما تملكه من الاغنام والجداد والحمام للجيران
وما أن وصلت بعد طول تعب الرحلة وسط ترحيب حنان الأهل ودفء عطف الخالات والعمات لم ينسيها غرفة وحوش منزلها حتى مطبخها ظل يجول بخاطرها وكذلك ألوان الستائر الملايات ، وهي تدعو الله في صلاتها أن تنتهي الحرب وتعود أدراج منزلها ، ومنذ الصباح تحمل هاتفها لتتصل نحو الكلاكلة لعلها تجد من يطمئنها على منزلها فلم يتبقى من شباب الحي إلا عدد قليل كانوا يعملون على تفقد البيوت التي قام بكسرها أفراد المليشا ومن ثم يأتي لصوص الغبن لأخذ جميع ما يوجد بالمنزل ، وكان منزل الحاجة (فردوس) واحدا من تلك المنازل المستهدفة لقربه من الشارع الشرقي ، ومن خلال تردد التواصل مع الحي يصل الخبر المفجع لاذان الحاجة (فردوس) بأن الحرامية استطاعوا كسر باب المنزل والدخول إليه وحمل ما طاب لهم من الأجهزة الكهربائية و البوتجاز وأنانيب الغاز وشاشات التلفاز وادوات المطبخ وملابس الدولاب و الملايات والمراتب ، فدخلت الحاجة (فردوس) في صدمة من هول الخبر نقلت على عجل لمستشفى السير حيث مكثت ثلاثة أيام تحت العناية الطبية حتى أسلمت روحها الطاهرة إلى بارئها حيث تم مواراة جثمانها الثرى بجمع مهيب من عموم الأهل والجيران .
رحلت الحاجة (فردوس) مكلومة موجوعة على فقدان بيتها الذي شيدته بحب الناس وطيب المعشر بينما حمل اللصوص متاع الدنيا الزائل على ظهر الكارو والدفار يحملونه على ظهورهم يوم القيامة يباع بأسواق مايو بثمن بخس لكنه قتل صاحبته (فردوس) .