منذ اللحظات الأولى التي صارت فيها قضية الحرب في السودان من ضمن جدول أعمال الاتحاد الأفريقي، ظلت ترشح أنباء بأن الاتحاد يفكر في دعوة مجموعة كبيرة من السودانيين إلى إجتماع يعقد في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، تحقيقا لمبدأ إشراك القوى المدنية السودانية في جهود وقف الحرب عبر إنطلاق العملية السياسية. وفي الأسبوع الأخير من شهر يوليو/تموز المنصرم صارت الدعوة أكثر تحديدا عندما جاء على لسان أحد العاملين في قيادة الاتحاد الأفريقي بأن الاجتماع سيكون بتاريخ 25 أغسطس/آب الجاري، وسيشارك فيه عدد كبير من السودانيين.
وأفادت مصادر أخرى أن عدد المشاركين قد يصل إلى مئة أو مئتين، ومؤخرا قيل إن إجتماعا تحضيريا من أربعين مشاركا سيسبق ذلك الاجتماع الكبير. ومنذ اللحظة الأولى لفكرة الإجتماع وحتى التحديد الأخير، ظلت تتردد في أذهاننا مجموعة من الأسئلة المصحوبة بعلامات التعجب حول هذا الإجتماع: هل هو من بنات أفكار الاتحاد الأفريقي، أم هو نتاج تشاور مع مجموعة من السودانيين، وفي هذه الحالة من هم هؤلاء السودانيون وماذا ومن يمثلون؟
ما هي أسس ومعايير إختيار المشاركين في الاجتماع، اجتماع المئتين أو إجتماع الأربعين؟ هل هو إجتماع لبحث مساهمة القوى المدنية في وقف الحرب وبالتالي تشارك فيه القوى الرافضة للحرب وليس التي تؤجج نيرانها، أم هو إجتماع «هردبيس» على شاكلة لقاء فندق السلام روتانا في 8 يونيو/حزيران 2022 الذي مات وهو في المهد، وشاكلة مؤتمر الحوار الوطني، 2015، الذي دعت له الإنقاذ ولم ينقذها من غضب الشعب، أم هو على شاكلة الحوارات الفاشلة التي سعى الاتحاد الأفريقي لتنظيمها على أيام «نداء السودان» 2015؟ وإذا كانت هنالك إجابات لكل هذه الأسئلة وغيرها، فلماذا التعتيم وعدم الشفافية؟
صحيح أن القوى المدنية في السودان هي صاحبة الصوت الأعلى الرافض للحرب والمطالب بوقفها، وعلى عاتقها يقع جزء كبير من عبء المساهمة في تحقيق تلك المطالبة، وحتى يكون لمساهمتها هذه معنى وفعلا عمليا، فإن الخطوة الأولى والأولوية القصوى، هي جمع كل أطراف القوى المدنية والسياسية السودانية الرافضة للحرب في منبر واحد، جبهة مدنية واسعة، من أجل وقف الحرب وإنطلاق العملية السياسية بهدف استعادة مسار ثورة ديسمبر/كانون الأول وتحقيق ما طالبت به. لكن، في تقديري، أن المنهج الذي يتبعه الاتحاد الأفريقي حاليا لن يحقق إطلاق أي عملية سياسية، بل سيصيبها بالشلل، وأن هذا الاجتماع الذي يدعو له الاتحاد الأفريقي، مصيره الفشل، إما بمقاطعة أطراف عديدة له، أو بإنفجاره من الداخل بمجرد إنعقاده. ثم أن هذا المنهج الذي يتم من خلاله هندسة لقاء القوى المدنية السودانية، دون الأخذ في الإعتبار ودون مراعاة التعقيدات الشائكة التي تكتنف العلاقات بين هذه القوى، وبما في ذلك تحديد الأطراف المشاركة وتحديد تاريخ اللقاء، ودون أي تحضيرات مسبقة بل يفاجأ المدعوون بالدعوة في بريدهم، هو منهج يجعل الحديث عن توصيف العملية السياسية المطروحة بأنها عملية سودانية وبقيادة سودانية، مجرد ذر للرماد في العيون، أي مجرد تمويه ومغالطة وإلباس الحق بالباطل.
العمل على استئناف عملية انتقال سياسي ذات مصداقية وشاملة، تأخذ في الاعتبار الدور المساهم لجميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين السودانيين، وكذلك الموقعين على اتفاقية جوبا للسلام، تفضي إلى قيام حكومة ديمقراطية
لا يُفهم من كلامي هذا أنني أرفض أي دور للاتحاد الأفريقي في حل قضية الحرب في السودان، بل على العكس أشدد على أهمية هذا الدور وأرحب به. وكنت في مقالات سابقة قد أعلنت تأييدي التام للستة عناصر التي تضمنتها خارطة الطريق التي تبناها الاتحاد الأفريقي حول الأزمة السودانية، ومن بينها النقطة التي تقرأ: « العمل على استئناف عملية انتقال سياسي ذات مصداقية وشاملة، تأخذ في الاعتبار الدور المساهم لجميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين السودانيين، وكذلك الموقعين على اتفاقية جوبا للسلام، تفضي إلى قيام حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية.
أيضا شدد البيان على «الأهمية القصوى لعملية سلام واحدة وشاملة وموحدة من أجل السودان، بالتنسيق مع، وتحت رعاية مشتركة من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (الإيقاد) وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، جنبا إلى جنب مع الشركاء ذوي التفكير المماثل، مع ملاحظة أن تعدد وانتشار الوساطة والمبادرات لن تخدم الإرادة الجماعية للشعب السوداني». لكني في الوقت ذاته، أشرت آنذاك وأكرر إشارتي الآن أيضا إلى أن هنالك ملاحظات سالبة عند السودانيين تجاه أداء الاتحاد الأفريقي أيام الإنقاذ في مجال التوسط في الأزمة السودانية، وهي ملاحظات جدية وتستوجب أن يبدأ الاتحاد الأفريقي بتقييم تجاربه السابقة قبل الشروع في تجربة جديدة تجاه قضية الحرب في السودان، وأن يتعامل بجدية مع الملاحظات السالبة التي يراها السودانيون تجاه هذه التجارب ولماذا فشلت في تحقيق أهدافها.
أما بالنسبة للقوى المدنية والسياسية السودانية، فمع ضرورة استخلاصها الدروس وتلافي أخطاء وعثرات أي تجارب سابقة خاصة بلم شملها وتوحيدها في منبر موحد، هناك أسس وعوامل مفتاحية رئيسية لابد من التقيد بها عند بنائها لهذا المنبر اليوم، وإلا سيكون مصيره الفشل.
والأسس والعوامل المفتاحية هذه تشمل: القاسم المشترك بالنسبة للإنضمام إلى هذا المنبر أو الجبهة المدنية، هو رفض الحرب. ومن هنا حتمية الشمول وعدم إقصاء أي مجموعة، غض النظر عن أي مواقف سياسية سابقة لها، مادامت هي الآن تقف ضد الحرب.
تمتع المجموعات المشاركة بالشرعية والتفويض، الآن وليس استدعاء لشرعية أو تفويض في مرحلة سابقة، بمعنى استنادها إلى قاعدة ملموسة تعمل على الأرض.
وفي هذه الصدد، أكرر قناعتي بأن الجبهة النقابية المكونة من قيادات النقابات والاتحادات المنتخبة ولجان التسيير، هي أنسب نواة تأسيسية لهذا العمل.
الشفافية في كل خطوات العمل، والتي يجب أن تكون بعيدة عن أي مؤثرات دولية أو إقليمية. *أما النقطة الرئيسية والمفصلية في نجاح أو فشل هذا الجهد، فهي التحضير له من خلال لجنة تحضيرية مكونة من كل الأطراف.
نقلا عن القدس العربي