تسببت حرب الخامس عشر من أبريل 2023 التي دارت رحاها بين الجيش وقوات الدعم السريع في الكثير من القصص المأساوية للأسر والأفراد الذين ذاقوا الأمرين بسببها ومن هؤلاء الصحافي حمد الطاهر الذي روي ل(التحرير) قصته مع الحرب وتبعاتها المتمثلة في النزوح والمعاناة وفقدان الوظيفة و مصدر الدخل والممتلكات.
بداية المعاناة
يسرد حمد حكايته قائلا: لم أتوقع في يوم من الأيام أن أغادر منزلي وجيراني وأهلي ومكان عملي بهذه الطريقة ولم أكن أتوقع أن أسكن فى هذه الولاية تحت وطأة المعاناة وجشع أصحاب العقارات ولسعات البعوض ليلا وجيوش الذباب نهارا
وبين زخات المطر التي حولت جوف البيوت المهترئة التي نسكن فيها رغم أسعارها الخرافية إلى بركة مياه. ولكن هي الحرب التي أجبرتني برفقة أسرتي الصغيرة على مغادرة منزلنا ولم يسبق لأطفالي أن سافروا أبعد من مشوار المدرسة والروضة ولكن قدر الله أن يختار لهم السفر ليومين على التوالي لمايقارب ٣٠ ساعة .
ويشير حمد إلى مغادرتهم الخرطوم بعد صمود دام ٦٠ يوما من الحرب .
ويضيف منذ اندلاع الحرب قررنا أن لا نغادر منزلنا رغم تحليق الطائرات الحربية فوق رؤوسنا وأصوات المضادات الأرضية والمدفعية الثقيلة ظللنا مرابطين ولكن بعد اليوم ال ٦٠ قامت مجموعة مسلحة من قوات الدعم السريع بإطلاق نار لتفريق مواطنين أتوا من المسجد بعد صلاة العشاء وتجمعوا جوار منزلنا مما تسبب في هلع أطفالي الصغار وقضوا ليلهم جلوسا علي أسرتهم ولم تطبق أجفانهم بل أصبحوا لا يغادرون غرفتهم إلى فناء المنزل لذلك قررنا أنا ووالدتهم مغادرة المنزل لأي وجهة .
ترتيبات المغادرة
يلفت حمد إلى أنهم لم يخططوا للمغادرة بل أفرغوا حقائب الأطفال المدرسية من الكتب وألزموا كل وحدا منهم بإدخال ملابسه بها وحملها على ظهره وحملوا ملابسهم فقط وتوجهوا تلقاء المواصلات التي تقل المسافرين الي ولاية الجزيرة .
اليوم الأول
يقول حمد: في الصباح الباكر وصلنا إلى موقف المواصلات ويممنا وجوهنا شطر ولاية الجزيرة وسلكنا طريق كبري الفتيحاب وإلتقينا بإرتكازات الجيش عند مدخل الكبري وكانت كل المسارات مترسة ب” التراب” مما صعب علينا عبروها ولكن تجاوزناها بشق الأنفس حتي وصلنا إلى الخرطوم وبدأت المعاناة منذ أن تخطينا ” النفق” وما إن وصلنا شارع الغابة حتي غطت السماء سحابة كثيفة من الدخان المتصاعد ورائحة البارود أزكمة أنوفنا حتي وصلنا أول ارتكاز للجيش عند نفق جامعة السودان ” مقر الاستراتيجية ” وقام بإيقاف الحافلة التي تقلنا وسألنا : إلى أين تذهبون وقمنا بإجابته وقلنا له نريد الذهاب إلى ولاية الجزيرة وقال يمكنكم أن تذهبوا بطريق الكلاكلة ولكن عندما وصلنا تقاطع شارع الغابة مع المنطقة الصناعية وجهنا إرتكاز آخر للجيش بأن هنالك اشتباكات ويجب عليكم أن لا تسلكوا هذا الطريق وبالفعل غيرنا طريقنا إلى الطريق الذي يمر بمقابر منطقة الرميلة ولكن قبل أن تصل الحافلة إلى مخازن السكر أو مخازن ” سلعتي ” تعرضنا إلى إطلاق نار كثيف ووقعنا بين نيران الجيش والدعم السريع وهذا ما أجبر السائق على تغير طريقه إلى الطريق الذي يمر بسك العملة وكلية الدراما جامعة السودان ولكن هنالك معظم الطرق كان مغلقة بالمياه والارتكازات وبين كل شارع وآخر يخرج إلينا أفراد من الدعم السريع ويقولون من الذي أتى بكم إلى هنا وكانت إجابتنا أننا نريد الذهاب إلى ولاية الجزيرة ويتبرعون لنا بوصف طريق جديد ولكن قبل أن نبارح الشارع تعترض طريقنا مجموعة أخرى وتوجه لنا ذات الأسئلة ويكون ذات الجواب حتي قضينا يومنا ولم نخرج من منطقة الخرطوم ٣ والخرطوم ٢ وبعد أكثر من ٩ ساعات من الدوران بين تلك الشوارع قرر السائق الرجوع بنا إلى أم درمان وأرجع لكل شخص قيمة التذكرة وعدنا إلى منازلنا بعد يوم عاصف وخلدنا إلى النوم .
اليوم التالي
أوضح حمد أنهم قرروا في اليوم التالي تغير وجهتهم إلى ولاية أخرى وبالفعل حملوغ حقائبهم وتوجهوا نحو المواصلات وبعد أن تم حجز التذاكر تحركت بهم الحافلة بذات مسار الأمس رغم تحيذيراتهم للسائق ومدى المعاناة التي تكبدوها بالأمس إلا أنه أصر على السير في ذات الإتجاه بعد أن شجعه أحد افراد الجيش بإرتكاز ” محطة سراج ” بمنطقة الفتبحاب بأم درمان إلا أن أحلامه في عبور كبري الفتيحاب تبددت قبل وصول الكبري ولم يستطيع عبور التروس فى منطقة الفتيحات بعد أن قضى قرابة الثلاث ساعات وبعدها قرر العودة إلى السفر عبر كبري الحلفاية ولكن المعاناة بدأت من أول ارتكاز للدعم السريع عند مقابر حمد النيل حيث قام فرد من الارتكاز بالإشارة للسائق بالتوقف ولكن يبدو أن السائق لم يسمع وكنا سنقع في كارثة بعد أن وجه فرد الارتكاز السلاح علينا ولكن كل المسافرين قالوا وبصوات واحد للسائق : ” قف وعد بنا للارتكاز” وكان ذلك.
يضيف حمد عندما صعد فرد الارتكاز إلى داخل الحافلة قام بتوبيخ السائق وطالبه بإحضار أوراقه الثبوتية ورخصته وبعد ذلك طالب كل الرجال بالنزول على الأرض وطالب النساء المنقبات بإزالة النقاب وكان يقول لهم بلغته الخاصة ” نزلوا الصرايم” وكان ذلك لأجل الخروج من هذه الأزمة وطرح سؤال علي الجميع إلى أين تذهبون وتتركون الخرطوم وأردف قائلا ” ما قلتوا دايرين البل ” وبعدها أطلق سراحنا وتحركنا نحو كبري الحلفاية.
أوضح حمد أنهم بعد أن وصلوا كبري الحلفاية تعرضوا لتفتيش دقيق من قبل القوات المسلحة قبل مدخل الكبري وبعده غادروا إلى الضفة الأخري وأيضا تم تفتيشهم من قبل قوات الدعم السريع وظلوا يعانون من ارتكازات الدعم السريع من تفتيش و إيقاف في كل الارتكازات حتي وصلوا حي النصر بشرق النيل وهناك وجاء أحد أفراد الدعم السريع علي ظهر دراجة نارية ” موتر” وأوقف الحافلة وقال السؤال المعتاد إلى أين ذاهبون قلنا له وجهتنا وقال هنالك اشتباكات لكن إذا وجدتم سيارات الدعم السريع أخلوا لها الطريق وبالفعل لما وصلنا منطقة الكرياب قابلنا سيارات الدعم السريع عائدة تفوح منها رائحة البارود وتكاد فوهة المدافع تخرج منها النار وفى ذلك الوقت وقفنا جانبا على الطريق و تركناها تمر .
كبري سوبا
يمضي حمد بالقول : عند مدخل كبري سوبا أوقفتنا دورية لقوات الدعم السريع وبعد التفتيش اخلت سبيلنا لكن يبدو أن السائق فقد عقله من شدة الخوف وسلك بنا الطريق الخطأ ولا ندري حتي دخلنا وسط مشاريع سوبا وظللنا تائهين فيها لفترة طويلة وبعدها سلكنا طريق ترابي عندها خرجت علينا مجموعة من قوات الدعم السريع كانوا داخل بناية ووجهت نحونا البنادق وإتهمتنا بأننا نتبع للجيش قبل أن تتفحص هوياتنا وأمرتنا بالنزول وبعد التفتيش وعلموا بأننا تائهين عن الطريق أوصفوا لنا الطريق وحتي وصلنا الاحتياطي المركزي أيضا قامت قوات الاحتياطي المركزي بتفتيشنا وغادرنا بعدها إلى أن وصلنا ارتكاز الدعم السريع في منطقة طيبة .
النجاة من الكارثة
يضيف حمد قائلا : في أول ارتكاز للدعم السريع بمنطقة طيبة أوقف أحد الأفراد الحافلة وسألنا عن وجهتنا وأمرنا بالمغادرة ولكن على بعد ١٠٠ متر أوقفنا الارتكاز الثاني وفي هذا لو لا عناية الله لحدثت كارثة أودت بحايتنا جميعا بعد أن أوقفنا أفراد الارتكاز صفا واحد وقاموا بالتفتيش وتفحص هوياتنا واوراقنا الثبوتية و صبوا جام غضبهم على أحد الشباب معنا في الحافلة واتهموه بأنه يتبع لاستخبارات الجيش وطلبوا هاتفه رغم تأكيده لهم بأنه معلم وليس له علاقة بالجيش إلا أن أحدهم أصر على موقفه وأطلق عليه عدد من الأعيرة النارية تحت أقدامه حتي تصاعد الغبار وأجلسوه أرضا وفى الأثناء مرت طائرة للجيش وحلقت فوق رؤوسنا وقاموا بإطلاق المضادات عليها لذلك أمرونا بالمغادرة فورا ولو لا العناية الإلهية لأصبحنا نحن وهم في أعداد الموتى بعد أن طلقت القوات وابل من المضادات الأرضية نحو السماء ممادفع النساء والأطفال للصراخ بأعلى أصواتهم.
الوجهة الجديد
تابع حمد قائلا: استقبلتنا الولاية التي وصلنا إليها بمزيد من المعاناة وعند مدخل التفتيش أمرتنا القوات المرابطة عند مدخل المدينة يالنزول، بعد تفتيش أمتعتنا علمت من خلال بطاقتي بأنني صحفي لذلك احتجز أحدهم بطاقتي و منعني من صعود إلى الحافلة إلى حين إشعار آخر، ولكن يبدو أن الفرد أعدل عن قراره ورد لي بطاقتي وأطلق سراحي، وبعدها ولجنا إلى داخل الولاية وبدأت المعاناة الحقيقة وفاصل جديد من حياة النزوح وجشع أصحاب العقارات والرحيل من منزل إلى آخر ورغم المعاناة إلا أننا ظللنا نطمئن انفسنا بحلم العودة إلى منزلنا نرتاح من المعاناة لكن هذا الحلم لم يصمد طويلا .
خبر شؤم
و يقول حمد: وسط المعاناة والنزوح وحلم العودة أتاني صباحا اتصالا من أحد جيراني في الخرطوم يبلغني فيه بأن منزلي تعرض للسطو ودمرت أبوابه وسرقت جميع الممتلكات وبهذا تحطم حلم العودة وطالت معاناة النزوح وفي ليلة وضحاها فقدت كل شئ وأصبحنا نازحين فقدنا منزلنا وممتلكاتنا ووظائفنا التي أوقفتها الحرب بعد أيام قليلة من اندلاعها وقبل الحرب كنت أشغل منصب رئيس قسم الأخبار فى موقع السمر نيوز ولكن بعد اندلاع الحرب كان هنالك سوء في شبكة الاتصالات وانعدام الرصيد بالخرطوم مما اضطر مالك الموقع لإبلاغي بإيقاف الموقع نتيجة لهذه الظروف ولهذا أصبحت دون وظيفة ودون مأوي ودون ممتلكات.
وكانت تقارير صحفية قد تحدثت عن انتهاكات جسيمة يتعرض لها الصحفيون خاصة خلال الحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع في 15 أبريل الماضي وما زالت مستمرة بين الطرفين حتى الآن.
وأشارت نقابة الصحفيين السودانيين إلى احتجاز جهاز المخابرات العامة بمدينة سنجة، الصحفي بصحيفة (الجريدة) علي العرش، صباح الأربعاء (16 أغسطس 2023م)، وذلك على خلفية نشره تقريرًا بموقع الصحيفة، عن أوضاع النازحين بولاية سنار، تناول فيه المضايقات التي يتعرّض لها نازحي الحرب من قبل الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى معاناتهم وظروفهم الإنسانية بالغة التعقيد.
وأدانت النقابة في بيان الخميس (17 أغسطس 2023م) هذا المسلك من قبل جهاز المخابرات العامة، وحذّر ت من عودة الرقابة والاستدعاءات الأمنية، والتضييق على حرية الصحافة. كما أشارت نقابة الصحفيين السودانيين إلى أنها رصدت في وقتٍ سابقٍ، تعرّض العديد من الصحفيين والصحفيات للتضييق والاعتداء عليهم، ومنع بعضهم من ممارسة عملهم، خاصة خلال عملهم في عكس أوضاع الحرب، وواقع النازحين بفعل الحرب بمراكز الإيواء.