في الثاني والعشرين من أبريل 2023 أي بعد أسبوع واحد من الحرب الجارية أحداثها الان ،أطل علي
قناة الحدث العربية عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني واصفاً الحرب التي تفجرت في الخامس عشر من أبريل2023 قائلاً (الجميع خاسر في هذه الحرب العبثية)، ومع أنه طرف رئيس في هذه الحرب ، إلا أنه بدا وبذلك التوصيف في براءة أرنب بري ، وأنه يشاهد فعلاً حربياً هو خارج مكنيزم ذلك الفعل تماماً ، ثم طارت بتوصيفه الركبان كما يقولون في أجهزة الإعلام المقروء والمسموع ، والمحللون والمفكرون والهواة بناءً علي ذلك التعريف الذي قذف به ثعلب (النيلين ) وليس ( الصحراء)ثم تواري في مخبئه الحربي لشهور خلت.
في البدء دعونا نقف في فذلكة معرفية عند مصطلح (عبثية )فالكلمة من الفعل الثلاثي عبث أي لعب
وهزل وأضاع فيما لا فائدة منه ، وقد ورد في القرآن الكريم (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً)…المؤمنون الآية١١٥. أما في ميادين الفلسفة والتصوف فإن مصطلح (العبثي) من يؤمن أن الكفاح الإنساني لا طائل منه.
أما (العبثيون)فقد ظهرت هذه المجموعة في فرنسا في ثلاثنيات القرن العشرين وهي جماعة أدبية ومسرحية وهي في الأساس تعمل علي التندر علي الواقع وتعتبر الحروب عملاً عبثياً وكذلك نتائجها ، ومن رواد هذه المدرسة المسرحي الفرنسي صمويل بيكيت الذي إقترن إسمه بمسرحيته ذائعة الصيت
(في إنتظار غودو )وهي تصور مصير الانسانية بأنه غير معروف وفق مصطلح (Absurd )غموض الذي إبتدعه مارتن إرسلان مقروناً بعدم الجدوي.
وما دمنا بصدد عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني الذي دفع بذلك المصطلح في توصيف حربه التي يخوضها ضد الدعم السريع ،فالرجل يدرك تماماً حسب تأهيله العسكري أن هذه الحرب ليست لعباً وهزلاً، ثم أنه لا يتبني منهجاً عبثياً ليشار اليه أنه من أنصار صمويل بيكيت ، ولاهو بذلك الفيلسوف أو الصوفي المتبتل الذي لا يري في هذه الحرب بأنها عمل لا طائل منه ثم ينكفئ علي سجادته .
خارج تلك الدائرة دعونا نري عبد الفتاح البرهان في أبهي صوره وضوحاً وهو المنتج الرئيسي لطرف الحرب الآخر في أودية
وسهول دارفور في عام 2004-2012 كمقاتل حربي ثم قائداً لحرس الحدود وهو الذي كانت تمر من بين يديه كل الرتب العسكرية التي ينعم بها علي مقاتلي مليشيا الدعم السريع قبل ان تتم شرعنتها ولتصبح لاحقاًذلك الجنين الشرعي للجيش السوداني ،بمعني أن يديه ملطخة بطين الصناعة الأولي
لهذه المجموعة التي يقاتلها الان .
في أبريل 2019 تقدم البرهان نحو الحشود في ساحة إعتصام الانتفاضة مقروناً بإبراهيم الشيخ ليسجل رسالة بصرية خادعة بأنه قريب من نبض تلك الحشود في ثورة ديسمبر ، وقد أدت تلك الرسالة العابرة
دورها ليقترب برتبته العسكرية ويربط بين لجنة البشير الامنية وصناع الانتفاضة ووقودها في ذلك الوقت .
بعد إزاحة ابن عوف من قيادة اللجنة الامنية كانت تلك الفرصة التاريخية للبرهان ليصبح لاعباً رأسياً
في تفاصيل المستقبل القادم لثورة لم تزل في مهب الريح .
وكمفاوض للحرية والتغيير ومراوغ بارع علق البرهان التواصل مع الحرية والتغيير وجعل مصير ثورة ديسمبر في مهب الريح ، ومفتوحاً علي كل الاحتمالات ولتلتئم العملية السياسية بعد المجهودات الإثيوبية والاتحاد الأفريقي ثم ولادة الوثيقة الدستورية والتي بموجبها صار البرهان رئيساً لمجلس السيادة ثم قام بتعيين محمد حمدان دقلو نائباً له في صفقة تجاوزت كل اللوائح والقوانين وليضع الجميع أمام سلطة الامر الواقع .
ثم بدأ البرهان صراعاته البائنة والمستترة مع الجميع ، وعينه علي حلم ابيه الذي يداعب مخيلته
برأسة ذلك البلد المرمي تحت الشمس .
وظلت هناك الغازاً . بلا أجوبة ، فض الاعتصام ، محاولة اغتيال دكتور عبدالله حمدوك ، الانقلابات
الدرامية المعلنة وغير المعلنة ، غير من أكثر الأحداث حيرة حينما خرج البرهان قائد الجيش عقب المحاولة الانقلابية التي نسبت لسلاح المدرعات ، وعقب تصريح وإستغاثة محمد الفكي عضو مجلس السيادة قائلاً(هبوا للدفاع عن ثورتكم ) ….فقد كاد البرهان أن يتميز من الغيظ وأطلق مقولته الشهيرة ( نحن أوصياء علي البلد دي ) وقد كان .
إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 والبلاد علي مرمي حجر لتسيد المدنيين لمجلس السيادة وقطع الطريق امام التطور المدني للثورة السودانية ،إلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ،إعادة كل المفصولين من سدنة النظام البائد للعمل ، التدخل المباشر في المنظومة القضائية وتعيين ناب عام يستجيب لطموحاته ، ثم الانحناء للمجهودات الإقليمية والدولية والمحلية
لما عرف ب ( الاتفاق الإطاري) ……هنا تحضرني مقولة لعلي كرتي وذلك أثناء محادثات نيفاشا التي أفضت لاتفاقية نيفاشا بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية في 2005 ففي احدي مفاصل تلك الاتفاقية وعقدتها النهائية إقترحت مجموعة الترويكا الراعية لتلك الاتفاقية إشراك المعارضة (التجمع الوطني الديمقراطي ) وقتها ولكن علي كرتي إنتفض قائلاً (لبنت ما بناديها للطير ) وهو يعني أن ثمار تلك الاتفاقية لابد أن تظل حصرياً للمؤتمر الوطني.
فقد كان تعنت البرهان تجاه تلك الاتفاقية أي الاتفاق الاطاري شبيهاً لموقف كرتي والذي كان بمعيته في الأواخر من رمضان أي قبل إنفجار الحرب بساعات ولقد كان هاتفه مغلقاً حينما إحتقنت الساحة السياسية في الرابع عشر من أبريل ثم كان اليوم التالي العبثي كما وصفه ثعلب البحر الأحمر . هذه المرة
نحن الان أمام حرب أحد طرفيها مليشيا الدعم السريع التي قننها البرهان ،والطرف الاخر جيش مختطف ،كتائب الظل العثمانية نسبة لعلي عثمان ، كتيبة البراء الجهادية ، دواعش ، مستنفرون ، قبليون ،متطوعون ،
كتائب العمل الخاص ،.
لقد إستطاع البرهان أن يغمر الساحة الحربية بكل الوسائط التي ستطيل أمد الحرب ، ولا يلغي بالاً لعذابات الانسان السوداني في النزوح والتشرد والرعب اليومي ، والجوع والمرض .
كيف يقول البرهان أن هذه الحرب عبثية ؟ وهو القائل قبل ساعات أنه بحاجة لبناء جيش محترف لهزيمة التمرد !
والغريب في الامر أن وعائه الدبلو ماسي الذي يخوض هو الاخر الحرب نيابة عن وزارة الدفاع ما أنفك يصرح ( الاستسلام أو الفناء)
ينبغي ألا يخاتل البرهان و يصنف هذه (الحرب عبثية ) هذه الحرب هي سلم امجادك المتوهم وانت ترتقيه باتجاه نبؤه ابيك الليلية في أضغاثه .