في معترك السياسة بعالم اليوم قد تستدعي الحاجة إلى المصلحة جهةً ما أو حزباً سياسياً إحداث تغييرات متعمدة في الخفاء؛ لتحقيق الفوضى الخلاقة ، وهذا ما يلفت النظر إلى حالة الفوضى الخلاقة التي عمت كل أركان الدولة السودانية بعد نجاح ثورة ديسمبر ٢٠١٩ التي شهد كل العالم بتميزها وقوة عزمها وصدقيتها، وتوفر لها كل مقومات تحقيق أهدافها، واستطاعت أن تهزم وتقهر وتزيل بصلابتها وقوة إرادتها نظام الإنقاذ الذي مكّن نفسه في كل مفاصل الدولة مدة ثلاثين عاما، مما جعل أركان النظام من شخصياته المتنفذة في اطمئنان تام، ومتأكدين أن زوال حكمهم مستحيل؛ لأنهم لم يتركوا ثغرة واحدة لمن يفكر أو ينوي أن يمس شعرة من حكمهم …
ولهذا فقد أصابهم الذهول والاضطراب لما حدث من طوفان زوال مفاجئ لحكمهم حيث كانوا لا يتصورنه ولا يتوقعونه ابداً، وكان صدمة طامة لهم مما جعلهم يستسلمون بمرارة وحرقة لواقع الثورة الجبار الذي أزال حكمهم على حين غرّة ولم يتيسر لهم حينها أي تصرف غير الاستسلام لإرادة الشعب بمغادرة كرسي الحكم … ولكن هل استكانوا وخضعوا للأمر الواقع؟
وفي ما بعد ظهر ما يشير إلى تغييرات وحيثيات ووقائع أعاقت مسار الثورة تدل على أن هناك محاولات رد اعتبار بدق مسمار في نعش الثورة تمثّل في زرع ضباط اللجنة الأمنية (المجلس العسكري في ما بعد) وسط أحشائها مؤيدين ومساندين لها وهي حالة شبيه بخطة حصان طروادة، ولكن كما يبدو من تعاطيهم وتعاملهم مع المدنيين من مفجري الثورة وقوى الحرية والتغيير أنه لم يحدث بينهما انسجام وتعامل صادق في الحكومة المدنية؛ يحقق متطلبات الثورة والانتقال المدني على واقع الحال، مما يثير في نفس المراقب الشك في أن لهم رأياً مختلفاً عن المدنيين في الثورة ..
إن محاولات عرقلة مسار الثورة وإثارة وتحقيق فوضى خلاقة تمهد لمرحلة سياسية تمكن من العودة والسيطرة على الحكم عديدة ومتنوعة، ويدل على ذلك كثير من الأحداث المعرقلة والمعادية للثورة، ومنها جريمة فض اعتصام القيادة وقتل نشطاء الثورة في المظاهرات ووقف نشاط وعمل لجنة إزالة التمكين، إضافة إلى دعم النشاط المعادي لقوى الحرية والتغيير بمبادرة الشيخ الطيب الجد ودعم تحرك محمد الأمين ترك المعادي للثورة في الشرق والأحداث المأساوية المؤسفة في جنوب النيل الأزرق بمدينة الرصيرص
وتاجيج الفتن القبلية في دارفور والتي أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا، ومساندة ودعم جماعة اعتصام الموز، كما ظهر جلياً العداء السافر بين قوى الحرية والتغيير ومؤيدي المؤتمر الوطني المناصرين لانقلاب البرهان على حكومة حمدوك والوثيقة الدستورية..
وتواصل تفعيل الفوضى الخلاقة بالفراغ الدستوري في الحكم حيث بقيت البلاد بدون اختيار حكومة تدير أمر البلاد منذ انقلاب البرهان في أكتوبر ٢٠٢١.. ثم تم الإجهاز على نجاح الاتفاق الإطاري برفع جذوة إشعال الحرب بين الجيش والدعم السريع العدو اللدود ومشاركة كتائب المؤتمر الوطني للجيش في مواجهة الحرب مما وسع من أزمة الوطن وعقّد المشهد السياسي…
فبعد كل هذه الفوضى الخلاقة التي عمت البلاد طيلة فترة ما بعد الثورة وكلفتها الكثير من خسارة الأرواح والممتلكات هل تأتي ثمرتها في خلق حالة سياسية تكون في صالح حزب المؤتمر الوطني أم تنجح قوى الحرية والتغيير بنهجها الجديد في جمع صف المناصرين للثورة وتحقيق التغيير المدني والحكومة المدنية وعودة الجيش إلى ثكناته ..
………….
عزالدين الجعلي